للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما مسألة إضافة ما يسمى (بعلاوة غلاء المعيشة) إذا اعتبرناه نوعاً من الربط فالأمر يحتاج فيها إلى تفصيل، ذلك أن هذه إن كانت من الأجرة فلابد أن تكون معلومة حال التعاقد؛ لأن الجهل بها يجعل الأجرة مجهولة فيبطل العقد، فلا يصلح أن يترك تقديرها لما يتحدد بعد ذلك من أحوالـ؛ لما يترتب عليها من منازعة، وقد اتفق العلماء على عدم جواز أن تكون الأجرة أو شيء منها مجهولاً.

وإن كانت هذه العلاوة من باب التكافل فإنها غير لازمة لصاحب العمل ولا تكون من الأجرة، فلا يشترط العلم بها؛ لأن كفالة المحتاجين واجب على الدولة وليست واجباً على أرباب الأعمال، وإنما الواجب عليهم العدل في الأجرة (١)

وهناك مسألة أخرى قد ينتجها التضخم، وينتجها الربط بالمستوى العام للأسعار أيضاً، وهي مسألة الضرر، ولا شك أن انخفاض القيمة الحقيقية للنقود فيه ضرر على أصحاب الأجور، لأن أجورهم هذه هي عماد معيشتهم، فنقصان قيمتها بسبب التضخم يضر بحاجاتهم الأصلية، والنبي عليه السلام يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) والقاعدة الشرعية أن الضرر يزال، ولكنه لا يزال بضرر مثله (٢) وفي تعويضهم عما نقص عليهم، أو ما يتوقع نقصه عن طريق الربط يضر بمصلحة صاحب العمل نفسه؛ لأنه هو أيضاً قد تضرر بنقصان القيمة الحقيقية لأرباحه، وعائداته من العمل، ولا يد له فيما حصل؛ لأن التضخم يحدث نتيجة لكثرة عرض النقود واختلال السياسات النقدية، وربما أثرت فيه قوى السوق أيضاً، فإذا ربطنا أجور العاملين بقيمة ثابتة عاقبنا من لا يستحق العقوبة وتركنا الجاني الحقيقي بدون مساءلة كما يقول بعض الباحثين، وكأنا بذلك نقر الأوضاع الفاسدة ونرقع سوآتها بتحميل أرباب الأعمال نتائج هذا التدهور في قيمة النقد.

وخير من ذلك أن يبحث عن أسباب التضخم الحقيقية ويعمل على إزالتها أو التخفيف من حدتها، وأهم ما في ذلك ضبط كمية النقود المتداولة، وانتهاج سياسات نقدية واقتصادية حصيفة تتوخى العدل، وتعمل على توظيف كل الطاقات في سبيل تحقيق استقرار اقتصادي يقبل فيه الناس على الاستثمار والتنمية، وتختفي فيه المظاهر السلبية من اكتناز الأموال أو توجيهها للأصول غير الإنتاجية كتجارة العملة والعقار ونحوها..


(١) د. شرف الشريف: الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص ٢١٦
(٢) السيوطي: الأشباه والنظائر، القاعدة الرابعة وملحقاتها ص ٩٢-٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>