للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة القول: إن هناك إجمالاً فجوة كبيرة بين أحوال العمال وظروف تحديد أجورهم في البلدان النامية والبلدان المتقدمة، لا تقل بأي حال عن الفجوة الاقتصادية أو الفجوة التقنية، والنتيجة العامة هي أن احوال التضخم تعصف بالأحوال المعيشية لمعظم الفئة العاملة التي لا تتمكن من تعديل أجورها النقدية إلا قليلاً خلال التضخم، وكلما اشتدت حدة درجة التضخم كلما تدهورت أحوال هذه الفئة من سيئ إلى أسوأ.

ومن جهة أخرى فإن التضخم لبعض فئات المجتمع زيادة دخولها النقدية بمعدلات أسرع من معدلات الارتفاع في الأسعار، ولا نتحدث هنا عن بعض فئات العمال التي تتمتع بأوضاع مميزة نسبياً، وإنما عن أصحاب الأعمال في نشاط التجارة خاصة التجارة الخارجية (التصدير والاستيراد) وفي نشاط الصناعة وبعض الأنشطة الخدمية، وكذلك من ينشطون في المشروعات الزراعية الحديثة وتربية الثروة الحيوانية والداجنية ... إلخ، ويأتي على قمة من يتمكنون من رفع دخولهم الحقيقية خلال التضخم أصحاب مكاتب سمسرة العقارات والأراضي وأصحاب شركات الصرافة والبنوك؛ وذلك بسبب ظروف التكاليف المنخفضة نسبياً في أعمالهم من جهة ومقدرتهم على المزايدة بالنسبة لأسعار خدماتهم، حيث تخدمهم ظروف العرض والطلب لهذه الخدمات كثيراً.

والنتيجة العامة أن التضخم يتيح لبعض الفئات أن ترفع دخولها الحقيقية، بينما يعمل على خفض الدخول الحقيقية للبعض الآخر، ومن ثم يعيد توزيع الدخل الحقيقي بين أبناء المجتمع، ولو أن عملية إعادة توزيع الدخل الحقيقي (والتي تؤدي تدريجياً إلى إعادة توزيع الثروة) كانت تتم على أسس موضوعية تتعلق بالاجتهاد في الأعمال أو تطوير الأنشطة والفنون الإنتاجية أو بذل الجهود الإنمائية الحقيقية لما كان لنا أن نبدي أي اعتراض عليها، ولكن إعادة توزيع الدخل الحقيقي في المجتمع التي تحدث خلال التضخم إنما تتحقق في جانب كبير منها من خلال اختلاف المقدرة النسبية لكل فئة من الفئات على تعديل أثمان سلعها أو خدماتها خلال الزمن بما يضمن تعويض التدهور في القيمة الحقيقية للنقود أو بما يتضمن اجتناء مكاسب حقيقية من عملية التضخم ذاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>