والبعض يصور المسألة تصويراً مغايراً فيقول: إنه لا يمكن الجزم بأن ضرراً قد لحق بالفئة المقرضة أو نفعاً قد جنته الفئة المقترضة، حيث إن المسألة في النهاية تتوقف على هيكل المحفظة المالية لكل فرد.
ومع التسليم بذلك إلا أن هذا لا ينفي الأثر المباشر للتضخم على عملية الإقراض، ومهما يكن الأثر النهائي الشامل على محفظة كل من المقرض والمقترض فإن هناك أثراً مباشراً قد نتج من عملية الاقتراض قد يكون ضاراً وقد يكون مفيداً.
والبعض يزعم هنا أن ما قد يلحق المقرض من ضرر لا يرجع إلى عملية الإقراض حد ذاتها، وإنما احتفاظه بأمواله في شكل نقدي، ومن ثم فهو مضار من التضخم حتى ولو لم يقرض، وبعض الاقتصاديين الإسلاميين قد تلقف هذا القول ونادى به في مواجهة الربط القياسي – كما سنشير إلى ذلك في حينه.
والحقيقة أن هذا مغالطة، فالمقرض قد أضير لسببين وليس لسبب واحد، السبب الأول: كون ثروته في شكل نقدي، والسبب الثاني: عملية الإقراض التي حالت بينه وبين تغير شكل ثروته لوقايتها من التضخم المستمر.
ب- أثر التضخم على أصحاب العقود الآجلة، مثل العمال والبائعين والمشترين وأصحاب المعاشات وغير ذلك، والمقولة الشائعة هنا أن التضخم يحابي أصحاب العمل والمشترين على حساب العمال والبائعين وأصحاب المعاشات، والحق أن هذه المقولة في حاجة إلى تحرير وتمحيص (١) ، فالأمر متوقف في النهاية على عاملين؛ القدرة على المساومة وفرض الشروط الملائمة والمعدلة، ثم المهارة في التوقع، ومعنى ذلك أنه ليس صحيحاً على إطلاقه وجود ضرر للعامل أو للبائع أو لصاحب المعاش، ولا وجود نفع للأطراف المقابلة لهم.
فمن الممكن أن يستفيد العامل من التضخم إذا ما كان ذا قدرة كبيرة على المساومة وفرض الشروط الملائمة في عقد الإجارة، وخاصة إذا ما جاء التضخم أقل مما توقع، وكذلك الحال بالنسبة للبائع إلى أجل، حيث قد يكون الثمن من الارتفاع بحيث يجب أي تضخم يحدث ويزيد، ويمكن أن يقال ذلك بالنسبة لأصحاب المعاشات، مع أنه غالباً ما يكون الموقف في غير صالحهم، ونظراً لأن الكثير من العمال خاصة في الدول النامية، وخاصة العاملين لدى الدولة لا يملكون القدر الكبير على المساومة، فإن التضخم في غالب أوضاعه ضار بهم، ولذلك نجد ما يعرف بالعلاوات الدورية، وإعانات غلاء المعيشة؛ كل ذلك تخفيفاً من آثار التضخم، مع التسليم بعدم كفايتها في تلافي تلك الآثار في معظم الحالات.
(١) باري سيجل، مرجع سابق، ص ٥٩٤ وما بعدها؛ كروين، مرجع سابق، ص ٣٢ وما بعدها، المقريزي: إغاثة الأمة، مرجع سابق، ص ٧٢ وما بعدها؛ د. محمود عبد الفضيل، مرجع سابق ص٧٩ وما بعدها