وحيث إن العالم الإسلامي المعاصر لا يطبق في مجمله المبادئ الاقتصادية الإسلامية من جهة، كما أنه يرزح تحت كابوس التخلف الاقتصادي من جهة أخرى، فإن اقتصادياته معرضة وبشكل بارز لكل ألوان ومصادر التضخم، وعلينا أن ندرك أن التعرض للتضخم شيء ووجود التضخم فعلاً شيء آخر.
وعندما نقول: إن التطبيق السليم لمبادئ الاقتصاد الإسلامي يقي المجتمعات الإسلامية في ظل الظروف العادية من أن تقع فريسة للتضخم الجامح، فإن حيثيات هذه المقولة متوفرة، والتناول المفصل لها ليس من مهام هذا البحث، ويكفي أن نقول عنها كلمة كلية هي عدم وجود كل عوامل التضخم الداخلية التي أشرنا إليها سلفاً، سواء منها ما يرجع إلى جانب الطلب أو ما يرجع إلى جانب العرض.
ومع ذلك، ومع توارد الظروف غير العادية، ومع تشابك العلاقات الاقتصادية الدولية، ومع وجود درجات من عدم الالتزام الصارم بالمبادئ الاقتصادية الإسلامية، فإن الاقتصاد الإسلامي مهما كانت الزاوية التي تنظر منها فيه وإليه يمكن أن يتعرض للتضخم، بل هو معرض له بالفعل، كل هذا لا ينفي حقيقة راسخة هي الكراهية الشديدة للتضخم من قبل الاقتصاد الإسلامي والحرص على منعه، ومرجع ذلك ما يحدثه من آثار سلبية متعددة، ولا سيما منها ما يرجع إلى العدالة وعدم بخس الناس أموالهم، والوفاء بالعقود، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، إضافة إلى آثاره الاقتصادية المعروفة والتي يوليها الاقتصاد الإسلامي عناية لا تقل بحال عن عناية الاقتصاد الوضعي إن لم تتفوق عنها. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه من دواعي شدة كراهية الاقتصاد الإسلامي للتضخم أن بعض آثاره السلبية أشد ضراوة في الاقتصاد الإسلامي منه في الاقتصاد الوضعي، ويتمثل ذلك بوضوح في عمليات الائتمان وخاصة منها ما كان مصدره القروض، حيث إن القروض في الاقتصاد الإسلامي هي قروض حسنة، ليس لها عائد اقتصادي يواجه ما قد يطرأ عليها من تدهور في قيمتها عندما تكون هناك ضغوط تضخمية.
وبتتبع فترات التضخم التي مر بها المجتمع الإسلامي في عصوره السابقة نجدد أن مصدر التضخم لم يخرج في مجمله عن المصادر المعروفة لنا الآن، والتي من أهمها اختلال السياسة النقدية وصك المزيد من العملات وكذلك اختلال السياسة المالية؛ سواء من حيث الإسراف المتزايد في الإنفاق العام وسوء تخصيصه، أو في فرض المزيد من الضرائب والتي كان لها مردودها السلبي القوي على حجم المعروض من السلع والخدمات وكذلك سوء الأوضاع المؤسسية وشيوع الاحتكارات؛ سواء من قبل رجال الدولة أو التجار، وأخيراً ما قد يصاحب ذلك من عوامل طبيعية مثل الجفاف. (١)
(١) لمزيد من المعرفة يراجع المقريزي: الإغاثة، مرجع سابق.