المجتمع الإسلامي، رغم حرص الإسلام الشديد على تحقيق الاستقرار السعري قد عايش التضخم بدرجة أو بأخرى في بعض عصوره، ومن المتوقع في ضوء ذلك أن يكون الفقه قد عني بهذه المسألة. فهل تناول الفقهاء فعلاً هذه المشكلة وبينوا الحكم الشرعي حيالها على مستوى الأسباب وعلى مستوى النتائج؟ الظاهر حتى الآن، ومن خلال ما تم من دراسات معاصرة حيال هذا الموضوع، أنه كان للفقه كلمته حيال هذه المسألة على مستوى الآثار وخاصة ما يتعلق منها بأطراف التعاقدات، ومما يؤسف له عدم التفات أو تنبه الدراسات المعاصرة للشق الأول من القضية؛ وهو موقف الفقه من أسباب التضخم، مع أنه لا يقل أهمية ولا اهتماماً من الشق الثاني.
٣- ١- إن الفقهاء قد أفاضوا في الحديث عن كل العناصر غير الطبيعية التي تعد مصادر التضخم، ومن ذلك:
١- لقد تكلموا عن النقود وسكها وغشها وتنظيم تداولها ومسؤولية الدولة حيال حسن التعامل معها.
٢- وتكلموا عن الإنفاق العام ومجالاته وضوابطه وأهمية ترشيده ومسؤولية الدولة حيال كل تلك الجوانب.
٣- وتكلموا بإفاضة عن كل من الضرائب والقروض، وبينوا الضوابط والقيود الصارمة حيال استخدام الدولة لكل منها.
٤- وتكلموا عن الاحتكارات سواء من قبل العمال أو أصحاب الأعمال أو الدولة، ووضحوا الحكم الشرعي حيال تلك الممارسات الاحتكارية وكيفية مواجهتها.
معنى ذلك أن الفقه الإسلامي قد حفل بقضية أسباب ومصادر التضخم ربما بقدر أكبر من تناوله لقضية آثار التضخم. لكن الذي أوجد شيئاً من الغمامة فوق هذا الموضوع ربما لتناثر التناول لهذه القضية وتباعد أماكنها، وربما لعدم وجود إشارات منهم عند تناولهم لهذه المسائل بما لها من علاقة وطيدة بالتضخم، ومع ذلك تظل الحقيقة المتمثلة في عدم إمكانية التجادل حول تناولهم لأسباب التضخم في حين إمكانية التجادل في تناولهم لآثاره القائمة، وعذرهم في ذلك عدم تضخم القضية واستفحالها بالصورة التي تبدو فيها الآن، ولعل الرسالة الضمنية المهمة هنا هي عظم مسؤولية الفقهاء المعاصرين، وعدم دقة المنهج الفقهي المعاصر الذي ينطلق في بحثه لهذه القضية من منطلق وحيد هو: ماذا قال فيها الفقهاء سلفاً؟ وإنما المنهج الصحيح هو ما يسلك مسالك متعددة فيرجع إلى النصوص الشرعية والقواعد العامة، وأقوال الفقهاء في قضايا قريبة، مع عدم إهمال ما هنالك من أقوال فقهية في هذه القضية.