٣- ٢- ماذا عن موقف الفقه من التضخم على مستوى الآثار المترتبة وخاصة ما يتعلق منها بأطراف التعاقدات؟
أما ما يتعلق منها بالاقتصاد القومي فقد تحدث فيها العديد من العلماء منهم على سبيل المثال وليس الحصر الجويني والماوردي والغزالي وابن تيمية وابن القيم وابن خلدون والمقريزي. وبتجميع ما قالوه ومقارنته بما هو متعارف عليه الآن من الآثار السلبية للتضخم لا نجده يقل كثيراً عنه. (١) رغم أن وحدة التضخم وتعقده وتداخل عوامله لم تكن على مستوى ما نعايشه اليوم. ونظراً لأن هذا لجانب ليس من المهام الأساسية للبحث الحالي فلن ندخل في بسط القول فيه.
وأما ما يتعلق منها بأطراف التعاقدات فهو محل اهتمامنا.
وبداية علينا أن نناقش القول المعاصر بأن الفقهاء لم يتناولوا مشكلة التضخم من حيث آثارها على النحو الذي نعرفه الآن، ومصدر هذا القول هو أنه بالبحث في كتب الفقه على اختلاف مذاهبها لم نعثر على كلمة تضخم، ولا على كلمة المستوى العام للأسعار، ولا على كلمة انخفاض القوة الشرائية للنقود حيال مختلف السلع والخدمات، وطالما غابت تلك المصطلحات ولم تظهر في كتب الفقه فليس هناك مجال للقول بتناول الفقه لتلك المشكلة، ويمضي أصحاب هذا القول في تبيان وتأصيل موقفهم، فيقولون: إن كل ما عثرنا عليه لدى الفقهاء هو تعبير غلاء الفلوس ورخصها، ومن الأمثلة التي ضربوها نجد معنى هذه العبارة ينحصر في علاقتها بالذهب والفضة وليس بمختلف السلع والخدمات كما هو الحال في شأن التضخم، يضاف إلى ذلك أنهم لم يتحدثوا عن غلاء النقود ورخصها، وإنما جاء حديثهم الصريح عن الفلوس، تلك العملات المساعدة، والتي لم ترق لأن تكون نقداً كامل النقدية لها خاصية النقد المتمثلة في القوة الشرائية العامة وقوة الإبراء غير المحددة. ومناقشة هذا القول تسير في مسالك متعددة.
(١) وبذلك فنحن نتحفظ على تبرير الدكتور نجاة الله صديقي لعدم اهتمام الفقهاء بهذه النوعية من الآثار والتي أسماها الجوانب الضيقة، حيث يرى أن جهود الفقهاء القدامى حيال هذا الموضوع لم تكن على درجة من التفصيل والعمق، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى بعد هذه الكتابات الفقهية عن فن إدارة الدولة وصنع السياسة العامة. وذلك في تعقيبه القيم على بحث د. حسن الزيان: استعراض للمؤلفات الإسلامية حول ربط المعاملات بتغير الأسعار (ص ١٣) . من أوراق حلقة عمل حول ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار من وجهة النظر الإسلامية. المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، ٢٧ – ٣٠ شعبان ١٤٠٧ هـ.