للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- ٢- على التضخم:

أسلفت تعريف التضخم اقتصادياً بأنه الزيادة المطردة في مستوى الأسعار خلال فترة زمنية معينة، والسؤال هو: هل ربط الأجور بالأسعار يزيد قابلية الاقتصاد للتضخم، بمعنى أن تعرض الاقتصاد لصدمة تضخمية، كارتفاع أسعار الواردات مثلاً، يؤدي إلى تضخم أشد في اقتصاد يتم فيه الربط، بالمقارنة مع اقتصاد لا ربط فيه؟

يبدو الجواب بالإيجاب في حدود ما اطلعت عليه (١) ؛ إذ تدل بعض التحليلات الاقتصادية النظرية الدقيقة على أن ربط الأجور، ومثله ربط الديون والالتزامات الضريبية بالأسعار، يزيد قابلية الاقتصاد للتضخم، ويجعل التضخم أشد عندما يقع، لكن هذه النتيجة يتوقف وقوعها على السياسات النقدية والمالية المتبعة، فإن كانت هذه السياسات تغطي عجز موازنة الدولة كلياً أو جزئياً بطبع النقود، فإن الربط يزيد القابلية للتضخم (٢) ونلاحظ أن أكثر البلاد النامية تلجأ إلى هذه السياسات.

وفضلاً عن هذا، هناك اقتناع واسع الانتشار بين الاقتصاديين بأن اللجوء إلى ربط الأجور غالباً ما يضعف من عزيمة الدول عن مكافحة أسباب التضخم؛ لأنه يخفف مؤقتاً من آثاره ويؤجلها (٣) وربما يجعل مكافحة التضخم أصعب في المدى البعيد.

٥- ٣- على توزيع الدخل:

لم أطلع على دراسات حول أثر ربط الأجور على توزيع الدخل، ولا أستبعد أن يكون من آثاره – في المدى القصير على الأقل- المحافظة على حصة الأجور في الناتج الإجمالي، أو عرقلة انخفاضها في حالات التضخم الظاهر الذي يميل عموماً إلى زيادة المكاسب النسبية لأصحاب الأعمال الحرة والصناعيين والتجار ومالكي رأس المال الحقيقي كالعقارات، بينما يؤدي في الوقت نفسه إلى تخفيض الدخل الحقيقي لأصحاب الدخول الثابتة كالعمال والموظفين والمتقاعدين.

وحيث إن الغالب على من يتقاضون الأجور أنهم الأضعف اقتصادياً والأقل ثروة، فإن ربط الأجور، إذا حفظ مصلحة هؤلاء، يكون أقرب إلى تحقيق مقصد الشريعة في مساعدة الضعفاء وعدم جعل الماء دولة بين الأغنياء، ولابد من الموازنة بين هذا الأثر الإيجابي المحتمل للربط وأثره السلبي على التضخم مما ذكرناه في الفقرة الآنفة.


(١) انظر فيشر، الفصل السادس (ص ١٩٣ وما يليها)
(٢) فيشر: وخاصة (ص١٩٣ و٢١٥)
(٣) آيزمان: (ص ٨٤٠) ؛ وفيشر (ص ١٩٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>