فإذا كان عقد العمل يمتد ٣- ٤ سنوات، فمن السهل أن تبلغ (زيادة الغلاء) في أجر السنة الأخيرة نصف الأجر الأساسي، حتى في البلدان ذات التضخم المعتدل، وأستبعد أن يمكن فقهاً وصف مثل هذه الجهالة بأنها يسيرة، بل الأقرب أن تعد متوسطة أو كثيرة، وواضح أنه بقدر ما يكون معدل التضخم في بلد ما ضئيلاً تتضاءل معه الحاجة إلى ربط الأجور أصلاً، فالربط غالباً ما يحصل – أو يطالب به- عندما تكون معدلات ارتفاع الأسعار كبيرة ومتقلبة، فيؤدي حينئذ إلى جهالة كبيرة في (علاوة الغلاء) التي ستضاف إلى الأجر الأساسي.
٦- ٢- هل يؤدي ربط الأجور النقدية إلى جهالة مفسدة للعقد؟
إن حيثيات الفقرتين السالفتين توصل إلى القول بأن الجهالة التي ينطوي عليها ربط الأجور النقدية هي جهالة كثيرة والظاهر بادي الرأي أن تعد جهالة فاحشة تفسد العقد.
لكن القضية تحتاج إلى مزيد من التأمل والموازنة في ضوء الاعتبارات التالية:
أ- هل الجهالة الفاحشة المفسدة للعقد هي مجرد الجهالة الكثيرة، أم إنها (الجهالة التي تفضي إلى النزاع، وهي تمنع صحة العقد)(الموسوعة الفقهية الكويتية مادة: جهالة) ، وبعبارة فقهاء آخرين (.. هي الجهالة التي تفضي إلى نزاع مشكل تستوي فيه حجة الطرفين)(١)
واضح أن ربط الأجور بمؤشرات الأسعار يؤدي إلى جهالة، لكنها لا تفضي إلى النزاع؛ إذ إن مؤشرات الأسعار تصدرها جهات فنية متخصصة تابعة للدولة، وليس في حساب الأجر بعد معرفة أرقام مؤشرات الأسعار أي إشكال أو التباس، وبعبارة أخرى: إن الجهالة واقعة عند العقد لكنها ستزول قبل تنفيذه.