للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- إن الجهالة الكثيرة تغتفر فقهاً لمبررات شرعية معتبرة كالحاجة العامة، (ومثالها عقد الجعالة) فهل من مبرر شرعي هنا لاغتفار الجهالة؟ الجواب بالإيجاب، والمبرر هو مراعاة قاعدة شرعية عظيمة هي: حفظ العدل بين طرفي العقد (١) ذلك أن أثر التضخم على العمال الذين يتقاضون أجوراً ثابتة خلال سريان عقد العمل هو تخفيض القوة الشرائية لتلك الأجور نتيجة ارتفاع الأسعار، بينما أثره على أرباح أصحاب الأعمال هو عادة زيادة أرباحهم بما يوازي معدل التضخم على الأقل.

فربط الأجور بالأسعار لا يلزم أصحاب العمل بزيادة الأجور إلا عندما تزداد أسعار منتجاتهم فتزداد أرباحهم، وهذا أقرب إلى تحقيق العدل بين الطرفين في ظل اقتصاديات التضخم.

ويظهر للمتأمل أن قاعدة منع الجهالة في العقود هي على التحقيق وسيلة إلى مقصد شرعي أسمى هو حفظ العدل بين طرفي العقد؛ لأن الجهالة الكثيرة هي مظنة إلحاق غبن بالعاقد ما كان يرضى به لو علم الحقيقة قبل العقد، وما دام الأمر كذلك فإن من المناسب أن نغتفر الجهالة الكثيرة إذا كانت في نفسها وسيلة لازمة لحفظ العدل بين طرفي العقد، وهذا قريب من واقع ربط الأجور بالأسعار.

ج – من المعهود في الشريعة كثرة اغتفارها الغرر (وهو نوع من الجهالة) في المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان، وقد أجاد في بيان ذلك الشيخ العلامة المحقق محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله (٢)

د – هناك مدخل مختلف تماماً لموضوع ربط الأجور بالأسعار ينبغي أيضاً النظر فيه قبل الانتهاء إلى رأي فقهي، وأنتقل الآن إليه.


(١) للتفصيل والشواهد الفقهية على هذه القاعدة الملحوظة في الفقه وإن لم تكن ملفوظة، انظر لكاتب هذا البحث (قواعد المبادلات في الفقه ... ) (ص ٤٥- ٤٨) ويذكر ابن رشد في بداية المجتهد (٢/ ١٦٤) رأي مالك رحمه الله بأن النهي عن بيوع الغرر (إنما هو لمكان عدم العدل فيها) والغرر نوع من الجهالة
(٢) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص ١٨٤- ١٨٦، ط: الشركة التونسية

<<  <  ج: ص:  >  >>