للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو لي الشبه قوياً جداً بين العقدين، وبخاصة إذا ذكرنا حكماً شرعياً معروفاً هو صحة توفية الالتزام المالي، عند حلول أجله، ببديل يتفق عليه الطرفان (١) وتطبيق ذلك في موضوعنا هو أنه عندما تستحق الأجرة أرزاً مثلاً، يجوز أن يتفق الطرفان على الوفاء بقيمتها دراهم مقبوضة، وهذا الحكم الفقهي يقوي جداً وجه الشبه بين العقدين.

٧- ٣ –الأجر المركب من مجموع سلع وخدمات محددة بالعقد:

لنفترض الآن عقد عمل حدد الأجر فيه بسلة (مجموعة) كميات من سلع مختلفة ومنافع محددة، ويشبه هذا ما ذكره الفقهاء واختلفوا فيه من عقد يكون الأجر فيه طعام الأجير وكسوته، فمن الفقهاء من أجازه، ومنه من منعه لأن مقدار الطعام والكسوة يتفاوتان كثيراً بين الناس مما يؤدي إلى جهالة الأجر، لكن (إن اشترط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة جاز ذلك عند الجميع) (٢) فالأجر المركب من سلة محددة من سلع ومنافع (خدمات) موصوفة جائز، وهو محصن تماماً من تقلب أسعار (سلة السلع) التي بني عليها العقد؛ لأن الأجير سيحصل على (السلة) المعينة كيفما تقلبت أسعارها، وهو يشبه عقداً مستحدثاً الأجر الأساسي فيه دراهم معلومة (تساوي قيمة (السلة) عند ابتداء العقد) وهو مربوط بمؤشر للأسعار مبني على سلة السلع ذاتها.

ليس العقدان متماثلين لكنهما متشابهان جداً، ومن الفروق بينهما أن الأجر المركب واجب الأداء بكمياته الموصوفة، ولكل من المستأجر (رب العمل) والأجير أن يتمسك بذلك، بينما العقد المستحدث، بعد أن يعرف مؤشر الأسعار، يثبت الأجر فيه نقوداً يستطيع الأجير أن يشتري بها إن شاء عين السلة الموصوفة، أو سواها مما يريد، والنقود أنفع له لأنها تعطيه خياراً أوسع (٣) إلا في الحالات الاستثنائية التي يكون تحصيل السلع فيها عسيراً كالمجاعات والتوزيع بالبطاقات التموينية ... إلخ.

ففي الحالات العادية سيكون في مصلحة الأجير، في عقد الأجر فيه مركب غير نقدي، أن يرضى، بل أن يطلب، الوفاء بقيمة أجره من الدراهم، ولا يستبعد أن يرحب المستأجر بذلك ليوفر على نفسه عناء شراء السلع ونقلها.. إلخ، والظاهر أنه لا مانع من هذا فقهاً.


(١) هذا هو الحد الأدنى الذي يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (كنت أبيع الإبل بالبقيع..) وانظر أيضاً المادة ٤٠٢ من مشروع قانون المعاملات المالية الموحد للبلاد العربية المستمد من الفقه الإسلامي
(٢) الموسوعة الفقهية الكويتية، مادة إجارة، ١/ ٢٩٢- ٢٩٣
(٣) هذا ما تؤكده النظرية الاقتصادية عن الأرقام القياسية للأسعار، انظر مثلاً: رويست (ص ١٥٧- ١٥٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>