والذي تسعى إليه البنوك، شأنها شأن كافة مؤسسات القطاع الخاص، هو تحقيق الأرباح، لكن هذه الأرباح لا تتحقق إلا إذا التزم العميل بتسديد دينه في أجله المحدد وبدون مماطلة؛ ذلك لأن الائتمان الذي أشرنا إليه آنفاً مرتبط بالزمن، فإذا ماطل العميل في السداد لم يتحقق ذلك الربح المتوقع حتى لو سدد الدين بكامله، وقد اتسم العصر الحاضر كما هو معلوم بالسرعة، الأمر الذي جعل لوفاء الديون في مواعيدها أهمية كبيرة لم تكن لها قديماً، فالتجار يرتبطون بعقود شراء بمواعيد متوافقة في مواعيدها مع ما لهم من استحقاقات ناتجة عن البيوع، فإذا تأخرت الثانية أربكت الأولى وربما أدت إلى مشكلة تؤثر على حسن سير المؤسسة وعلى نشاطها.
ورب قائل: إن هذه الديون تكون دائماً موثقة بضمانات عينية وشخصية ورهون ... إلخ، فما على المصرف إذا ماطل العميل في السداد إلا التنفيذ عليها واستخلاص ديونه، لكن الأمر خلاف ذلك؛ إذ من المعروف أن قوة الضمانات ليست هي الأساس في التمويل بل الأساس هو الثقة في العميل، أضف إلى ذلك أن جميع هذه الضمانات لا يمكن التنفيذ عليها –في حال المماطلة- إلا بحكم من المحكمة، وهو أمر يستغرق وقتاً طويلاً، وفي كثير من الأحيان لا تجد البنوك أن من الملائم أن تهرع إلى المحاكم في أول لحظة يتأخر فيها العميل عن السداد، بل هي تفعل ذلك عندما تفشل الوسائل الأخرى في إقناعه بالتسديد، هذا يعني أنه عندما يصل الأمر إلى التحاكم إلى الجهات القضائية يكون الربح قد فات على البنك بمضي الوقت وطول الأجل.
ومعلوم أن الزيادة الطارئة على الدين بعد ثبوته في الذمة هي عين ربا الجاهلية المجمع على تحريمه، فلا يجوز أن يزيد الدين عند مماطلة العميل لتعويض الدائن عما فاته بسبب تأخير السداد، ولا يعني هذا أنه يجوز للمدين أن يماطل، فقد حرصت الشريعة على حفظ الحقوق، فجعلت المماطلة من الأمور المستقبحة بل حرمتها وأجازت معاقبة فاعلها كما قال عليه الصلاة والسلام:((مطل الغني ظلم)) .
بيد أن هنا مسألتين: الأولى: أن هذه العقوبة التي أجازتها الشريعة هي عقوبة معنوية وجسدية وليست مالية، الثانية: أنها لا توقع على المماطل إلا بحكم من القاضي بعد أن يتحقق أنه - أي المماطل - مليء؛ لأن للمعسر أن ينظر إلى الميسرة كما نص الكتاب الحكيم.