للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أمانة وأخلاقيات العامة في المجتمعات المعاصرة هي بلا شك، دون المستوى المثالي، التجربة العملية عند كثير من البنوك الإسلامية تدل على أن الأفراد إذا ترك لهم الحبل على الغارب ركبوا العظائم، ومال أكثرهم إلى المماطلة في تسديد الديون لأمنهم العاقبة، فإذا قلنا للبنوك الإسلامية أن تتجاهل هذه الحقيقة فقد جعلناها في وضع لا تستطيع معه أن تجاري أو تنافس البنوك التقليدية؛ لأن الأخيرة لديها الوسيلة لدفع المدينين على السداد في الوقت، لعلمهم أن التأخير محسوب عليهم وذلك بزيادة وتراكم الفوائد التأخيرية، بينما تعدم الأولى الوسيلة لخلق مثل تلك الحوافز.

الآثار السلبية لهذه المشكلة على العمل المصرفي الإسلامي:

لهذه المشكلة آثار سيئة على العمل المصرفي لعل أهمها:

١- اتجاه البنوك الإسلامية إلى المبالغة في طلب الرهون والضمانات، الأمر الذي يضيق فرص الاستفادة من التمويل ويجعلها محصورة في فئة الأثرياء وذوي الغنى؛ لأن تلك هي الفئة القادرة على تقديم الضمانات الممتازة، وهذا من أعظم الخطر لأنها تؤدي إلى جعل المال دولة بين الأغنياء، وتلك بلا شك أسوأ مساوئ الصيغ المصرفية الربوية التي ما جاءت البنوك الإسلامية إلا للقضاء عليها.

٢- نظراً إلى أن احتمال المماطلة موجود دائماً (وربما برجحان) في كل عملية تمويل، فقد اتجهت البنوك الإسلامية إلى افتراض أن كل عميل هو مظنة المماطلة، وترتب على هذا اتجاهها إلى رفع هوامش الربح حتى تعوض عن تلك المماطلة إذا حصلت؛ لأنه لا يمكنها الحصول على تعويض عن ذلك بعد ثبات الدين في ذمة العميل، ولقد أدى هذا إلى أن أصبح التمويل بالصيغ الإسلامية أعلى كلفة بالمقارنة بالفوائد الربوية، ولطالما انتقدت البنوك الإسلامية كثيراً على هذه الظاهرة، ولذلك سيكون لوجود وسيلة حاسمة لمعالجة المشكلة أثرها الحسن على هذه المشكلة، فيعاقب بالزيادة المماطلون فحسب.

٣- ومما يتفرع عن المشكلة المشار إليها في (٢) أعلاه أن البنوك صارت عاجزة عن اجتذاب العملاء الممتازين الذين لا يماطلون؛ وذلك لأنها عاجزة عن التفريق بين الأمين الملتزم والمماطل؛ وذلك لأنها تحدد هامش الربح بافتراض أن الجميع من النوع الثاني، فكانت النتيجة أن صار أكثر عملائها من ذلك النوع، وهذه بلا شك من أسوأ ما تواجهه هذه البنوك من مشكلات.

<<  <  ج: ص:  >  >>