للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك يتجه الأطراف في التعاقد –دائماً- إلى تبني أنواع من الضوابط التي تهدف إلى ثلاثة أمور: الأول كشف الحقيقة حول الطرف الآخر، والثاني خلق الحوافز التي تشجع ذلك الطرف على التصرف بطريقة مماثلة لما تكشفه المعلومات المتوفرة عنه (١) والثالث هو صياغة العقد بحيث لا تعتمد نتيجته النهائية إلا إلى الحد الأدنى على الجزء من المعلومات الذي لا يمكن التعرف عليه أو التأكد من صحته، بمعنى آخر أنها تسعى بهذه الإجراءات إلى تقليل حجم المخاطرة الأخلاقية المتضمنة في عقد العمل المذكور.

وعقود التمويل هي أنواع من هذه العلاقات الاقتصادية التي يسعى أطرافها إلى تقليل حجم المخاطرة الأخلاقية فيها بإدخال أنواع الضوابط المختلفة التي تحقق الأغراض الآنف ذكرها.

وعند مقارنة صيغ التمويل الإسلامية (غير الديون) وصيغ التمويل المعتمدة على الإقراض بالفائدة على هذه الأرضية، نجد أن الأولى تتضمن قدراً من المخاطرة يزيد على الثانية، ذلك أن صيغ القرض بالفائدة يكفي فيها لاتخاذ القرار الصحيح من قبل المقرض الاعتماد على المعلومات التي يسهل الحصول عليها والمتعلقة بشكل عام بملاءة العميل وجودة الضمانات التي يقدمها، أما المعلومات المتعلقة بصدق العميل وأمانته ونواياه الحقيقية فإنها لا تؤثر تأثيراً كبيراً على تحقق النتيجة النهائية وهي استرداد القرض مع الفائدة المترتبة عليه.

ولو نظرنا إلى صيغة التمويل بالمضاربة –على سبيل المثال- فسوف نجد أن النتيجة النهائية وهي تحقق الربح واقتسامه مع رب المال (أي البنك) لا تعتمد فقط على توفر الظروف الاقتصادية المواتية، بل ستعتمد أيضاً على أمانة المضارب وصدقه وحسن نواياه وإخلاصه، وهي أمور يصعب التحقق منها عند التعاقد، ولا تنكشف للطرف الآخر (رب المال) بسهولة، كما لا يمكن أن ندخل في العقد أنواعاً من الضوابط التي تؤدي إلى إلغاء تأثير الأمانة والصدق والإخلاص كما هو الحال في عقود الإقراض بالفائدة (٢)


(١) فعلى سبيل المثال نجد أن عقود العمل تبدأ بتقديم العامل لشهادات الخبرة وخطابات التوصية وسؤال رب العمل للآخرين عن سلوك ذلك العامل والإجراءات المماثلة التي تهدف إلى التأكد من أمانة وقدرة ذلك العامل، ثم نجد العقود تتضمن المكافآت والترقيات والجوائز.. إلخ التي تهدف إلى خلق حوافز تدفع ذلك العامل إلى سلوك مماثل للمتوقع منه، وهكذا
(٢) لاحظ أن صاحب المال (البنك) في القرض القائم لا يهتم بمقدار الربح الذي حققه المقترض ولذلك ليس لدى الأخير حافز لإخفائه، كما أن رأس المال مضمون له وتقابله الضمانات، ولذلك لا يحتاج المقترض إلى إظهار الخسارة للتهرب من دفعه، بينما أن الأمر خلاف ذلك في كلا الحالين في المضاربة

<<  <  ج: ص:  >  >>