للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد تصور المنظرون لنموذج البنك الإسلامي عندما ظهرت الكتابات الأولى في هذا الموضوع منذ الخمسينات أن عقود الشركة والمضاربة هي البديل الحقيقي للتمويل بالفائدة (١) وهي القادرة على أن تقدم للمجتمع النتائج الحميدة لصيغ التمويل الإسلامي، من عدالة في توزيع الدخول والثروات ومحاربة للفقر، واستقرار اقتصادي.

ولكن النتيجة كانت خلاف ذلك؛ إذ اتجهت البنوك الإسلامية بعيداً عن أنواع المشاركات إلى التمويل بالدين، حتى أصبحت البيوع التي تتحول إلى ديون (كالمرابحة والاستصناع) هي أساس نشاط هذه المؤسسات.

لذلك صارت الطبيعة المصرفية للبنوك الإسلامية مشابهة للبنوك التقليدية، فكلاهما وظيفته الأساسية هي الديون، والفرق أن الديون في الأولى ناتجة عن بيوع، أما الثانية فهي قروض، هذا فرق لا يستهان به بلا شك، ومع ذلك يبقى أنها مختلفة عن النموذج النظري الذي بهر به الاقتصاديون –مسلمين وغير مسلمين- بما يمكن أن يؤدي إليه من نتائج عظيمة وآثار اجتماعية كبيرة، وبقدرته (نظرياً على الأقل) على معالجة المشاكل التي يعاني منها النظام المصرفي التقليدي.

٥- ٣- كيف تتفادى صيغ التمويل التقليدية مشكلة المخاطرة الأخلاقية:

تقوم عقود التمويل في البنوك التقليدية على صيغة القرض الموثق برهون وضمانات عينية وشخصية، ولا ترتبط حقوق البنك أو التزامات العميل تجاه البنك بنتائج استخدامه للنقود التي هي محل العقد؛ إذ إن أصل القرض والزيادة عليه (الفائدة) مضمونة على العميل، ومن هنا لا يكون لأمانة هذا العميل وسلوكه القويم وأخلاقه العالية أي تأثير على حقوق البنك؛ لأنها حقوق معروفة ومحددة عند التعاقد، وهي دين ثابت في ذمة العميل وموثق بالرهن والضمانات، وهذا بخلاف التمويل بالمضاربة أو المشاركة حيث إن رأس مال البنك وربحه معتمد على أمانة العميل ومهارته وحسن أدائه، الأمر الذي يدخل عنصر المخاطرة الأخلاقية في العقد المذكور.


(١) ومن أول من طرح فكرة المضاربة أساساً لعمل مصرفي إسلامي، محمد عبد الله العربي في بحثه (المعاملات المصرفية ورأي الإسلام فيها) في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المنعقد في القاهرة ١٣٨٥هـ / ١٩٦٥م

<<  <  ج: ص:  >  >>