للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا نص المغني بكامله، ويتضح منه أن معاملة المرابي منهم الذي يخلو بتصرفه لا تجوز، وأن العلة هي الربا، وأن تعامل اليهودي والنصراني بما لا يجوز بعد الدخول في الشركة مع المسلم يكون فاسداً؛ لأن المسلم لا يثبت ملكه على المحرمات ولا يصح تعامله بالربا وعقد الوكيل كعقد الموكل، وهذا معنى كلامه الذي يدل بنصه وبمفهومه على أن الدخول في شركة تتعامل بالربا لا يجوز ولا يصح.

أما الشافعية فقد قال صاحب المهذب: (ويكره أن يشارك المسلم الكافر؛ لما روى أبو حمزة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا تشاركن يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً، قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون والربا لا يحل) (١)

فأنت ترى الشافعية كرهوا ذلك لمجرد التهمة، أما المالكية فقد قال الزرقاني عند قول خليل في الشركة: (وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل: وخرج به شركة مسلم بكافر يتجر بغير حضور المسلم فإنها غير صحيحة على ما لبعضهم كظاهر المصنف، ولكن ظاهر المدونة المنع ابتداء وصحتها بعد الوقوع، فكان على المصنف الاقتصار على القيد الأول؛ لذا لم يعبر ابن شاس وابن الحاجب بالصحة وإنما عبرا بالجواز فقالا: من جاز له تصرف لنفسه جاز توكيله إلا لمانع – اهـ. وقبله ابن عرفة قائلاً: مسائل المذهب واضحة به –اهـ. وأما شركة مسلم لكافر يتجر بحضور مسلم فجائزة وصحيحة قطعاً كما في المدونة، ثم إذا نض المال في القسم الأول، أي عدم حضور المسلم أخذ المسلم ما يخصه من رأس المال والربح إن علم سلامة الكافر من عمل الربا وتجر الخمر، فإن شك في عمله في ربا ندب للمسلم صدقته بربحه فقط؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: ٢٧٩] ، وإن شك في عمله به في خمر ندب له التصدق بربحه وبرأس المال جميعاً لوجوب إراقة الخمر ولو اشتراه بمال حلال، وإن تحقق عمله بالربا وجب التصدق بالربح فقط، وإن تحقق تجره بخمر وجب على المسلم تصدقه برأس مال وربحه معاً؛ كذا يفيده اللخمي) (٢)

قال الزرقاني كذلك عند قول خليل – في باب الوكالة: ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض-: (وفي تعقب أو تقاضٍ لدين لعدم تحفظه أي من فعل الربا) (٣)

أما الحنفية فقال في الدر المختار في باب الشركة تعليقاً على قول تنوير الأبصار: (وتساويا مالاً وتصرفاً وديناً، فلا تصح بين حر وعبد، وصبي وبالغ، ومسلم وكافر، لا يخفى أن التساوي في التصرف يستلزم التساوي في الدين، وأجازها أبو يوسف مع اختلاف الملة مع الكراهة) ، قال ابن عابدين: (يستلزم التساوي في الدين؛ لأن الكافر إذا اشترى خمراً أو خنزيراً لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته، فيفوت شرط التساوي في التصرف ابن كمال، قوله: مع الكراهة؛ لأن الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود – زيلعي) . (٤)


(١) المجموع، التكملة الثانية: ١٤/ ٦١
(٢) الزرقاني: ٦/ ٤١
(٣) الزرقاني: ٦/ ٨٢
(٤) حاشية ابن عابدين: ٣/ ٣٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>