المراد من سرد هذه النصوص ليس التدليل على صحة الاشتراك مع الكافر أو عكسه وإنما التنبيه إلى العلة التي من أجلها كرهه من كرهه ومنعه من منعه، ألا وهي تعاطي البيوع الممنوعة في شكل اشتراء أعيان لا تجوز أو تعامل بالربا، فمن احتاط منع خوفاً من تهمة الربا، ومن لم يحتط فصل قائلاً: إن الجواز مختص بالمعاملات التي يحضرها المسلم، وفي حالة عدم معرفة حال الشريك فإنه إذا شك تصدق ندباً لتطهير ماله، وإذا تحقق وجب أن يتصدق على التفصيل الذي ذكره الزرقاني. ولم نجد نقلاً يجيز الدخول معه في شركة مع العلم بأنه يتعاطى الربا؛ ولا نعلم أحداً أقره على الاشتراك معه إذا اكتشف ذلك التعامل؛ لأنه لا يجوز أن يبقى المسلم متلبساً بمعاملة ربوية ليدفع قسطاً من أرباحه تخلصاً من الحرام، وإنما يجب أن يكون دفع هذا القسط علامة على التوبة على أن لا يعود، قال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}[النحل: ٩٢] .
ولتأكيد وتأصيل ما ذهبنا إليه نذكر ثلاث قواعد في شكل مبادئ:
المبدأ الأول: أن الشريك يده هي نفس يد الآخر، بحيث إن أي عمل يعمله الآخر بالشركة هو عمله هو لا فرق بينهما، أشار إلى ذلك ابن قدامة في الكلام الذي نقلناه عنه آنفاً، وذكر أن المعاملات المحرمة التي يقوم بها الشريك الكافر بعد الشركة تكون فاسدة.
المبدأ الثاني: هو شيوع الحرام في مال الشركة مما يجعلها متلبسة بالحرام، حتى ولو أعطى قسطاً من الربا حيث يظل ماله مخلوطاً ببقية مال الشركة الذي ينتشر فيه الحرام، فإن ذلك لا يطهره؛ لأن المعاملة الربوية هي معاملات فاسدة، وبالتالي فإن المال مرهون بمعاملات فاسدة ينتشر فيها الحرام (قال ابن القاسم: قال مالك: قال ابن هرمز: عجباً للمرء يرزقه الله المال الحلال ثم يحرمه من أجل الربح اليسير حتى يكون كله حراماً) ، (قال محمد بن رشد: قوله ثم يحرمه من أجل الربح اليسير يريد من أجل الربح الحرام الذي هو ربا، مثل أن يكون له على رجل مئة فيؤخره بها على أن يأخذ منه مئة وعشرين. وقوله: حتى يكون كله حراماً، ليس على ظاهره بأنه يحرم عليه جميعه ولا يحل له منه شيء؛ لأن الواجب عليه بإجماع العلماء أن يرد الربح الذي أربى فيه إلى من أخذه منه ويطيب له سائره؛ لقول الله عز وجل:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٩] ، وإنما معنى قوله: (حتى يكون كله حراماً) أي: حتى يكون كله بمنزلة الحرام في أنه لا يجوز له أن يأكل منه شيئاً، حتى يرد ما فيه من الربا؛ لأنه إن أكل منه قبل أن يرد ما فيه من الربا فقد أكل بعض الربا لاختلاطه بجميع ماله وكونه شائعاً فيه) (١)