للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن رشد خلافاً في التعامل ببيع وشراء مع المرابي بين مانع لذلك كله كابن وهب وأصبغ من أصحاب مالك، ومجيز كابن القاسم، ومفرق بين الحرام اليسير والحرام الغالب باختصار يراجع فيه (١)

وإذا كان الأمر كذلك فكيف بالشركة معه؟ والخلاف في اختلاط الحرام مع الحلال أيهما يغلب معروف، وكذلك في تميز الجزء الشايع أو عدمه (٢)

المبدأ الثالث: إن الشركة كالوكالة والوكالة لا تجوز على محرم، قال البناني بعد كلام: فجعل الإنسان غيره يقتل رجلاً عمداً عدواناً هو أمر لا نيابة فيه، وجعله يقتله قصاصاً نيابة ووكالة (٣)

وهو أمر لا مرية فيه، فلا يجوز ولا يصح أن توكل شخصاً ليسرق أو ليبيع بالربا، فهي وكالة باطلة وآثارها كذلك، قال السيوطي: (قاعدة: من صحت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه غيره وتوكله فيه عن غيره، وإلا فلا) (٤)

وقد سبق كلام المغني في جعله الشركة كالوكالة عندما قال: إن عقد الوكيل يقع للموكل في كلامه عن الشركة.

وبعد، فإن حرمة هذا النوع من الشركات تبدو غاية في الوضوح؛ لانطباق قواعد التحريم عليها لأنها أحرى بالحرمة مما ذكرنا، ثم إن التحريم في هذه المسألة هو من باب تحريم المقاصد وتحريم الوسائل؛ تحريم المقاصد لأنه ممارسة الربا في شكل بيوع فاسدة، وتعاطي البيع الفاسد في حد ذاته محرم مهما كانت نية المتعاطي في جبره، قال السيوطي: (القاعدة الخامسة) تعاطي البيوع الفاسدة حرام كما يؤخذ من كلام الأصحاب. إلى أن قال عن الروياني في الفروق والتصرفات بالشراء الفاسد: كلها كتصرفات الغاصب إلا في وجوب الحد عليه وانعقاد الوالد حراً (٥)

وممنوعة منع الوسائل والمآلات لأنها تعاون على الإثم، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، ولأنها وسيلة إلى استمراء الربا والانغماس في حمأته وقد يؤول الأمر إلى ورثة لا يهتمون حتى بإخراج الأرباح الناشئة عن المعاملات الربوية.

الشيخ عبد الله بن بيه


(١) البيان والتحصيل: ٨/ ٥١٤- ٥١٥، و١٨/ ٥٧٩ وما بعدها
(٢) القواعد لابن رجب (ص٢٩- ٣٠) ، والأشباه للسيوطي (ص ٨٠)
(٣) حاشية البناني: ٦/ ٧٢
(٤) الأشباه والنظائر، للسيوطي (ص ٢٦١)
(٥) الأشباه والنظائر: ص ١٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>