للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد رأيت لبعض المتأخرين من محدثي الهند تعقيبا على ابن حجر رحمه الله في جوابه هذا، فقد ذكر المفتي عبد اللطيف الرحماني في شرحه (جامع الترمذي) الجزء الثاني ص٧٠٩ ما نصه (١) :

وأما ما أجاب الحافظ عنه بأن المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل. ففيه أيضا أنه غير محفوظ بما روى البيهقي في (السنن) عن فضالة بن عبيد، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن)) ففي هذا الحديث ليس للقلادة ذكر، وليس فيه النهي عن بيع ما لم يفصل، بل فيه النهي عن بيع الذهب بالدينار إلا مماثلا. وأما ما قال الحافظ من أنه ينبغي الترجيح بين رواتها، وإن كان الجميع ثقات، فنحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم. ففيه أنهم إذا كانوا كلهم سواء في الحفظ والضبط فكيف الترجيح؟ وأيضا لا يجوز تغليظ ثقة؛ لأن عليه الاعتماد.

فعلى هذا لا حجة في هذا الحديث لاضطرابه، وكيف وفيه حرج عظيم ومشقة على الأمة، إذا حكم بفصل الذهب والفضة عن الأشياء التي تحلى بالذهب والفضة؛ لأن بعض الأشياء بعد نزوع الذهب والفضة منها ينقص قيمتها كثيرا، بل بعضها لا يكون لها قيمة. فكيف يحكم بهذا الشارع، ويحكم بإبطال الصنع وهو حكيم؟ اهـ.

أقول: في اعتراضه رحمه الله بقوله: ففيه أنهم إذا كانوا كلهم سواء في الحفظ والضبط فكيف الترجيح؟ في قوله هذا نظر ملخصه: هل تحقق أن رواة هذه الروايات المختلفة كلهم سواء في الحفظ والضبط؟ كما أن قوله: لا يجوز تغليظ ثقة لأن عليه الاعتماد. ليس على إطلاقه بل إذا روى الثقة حديثا يخالف ما روى الناس اعتبرت روايته هذه شاذة، ويتعين التوقف فيها وعدم الاحتجاج بها. قال ابن كثير رحمه الله في كتابه (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث) في معرض تعريفه الشاذ ما نصه (٢) :

قال الشافعي: وهو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره. وقد حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني عن جماعة من الحجازيين أيضا. قال: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غير ثقة، فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة. – إلى أن قال – فإذن الذي قاله الشافعي أولا هو الصواب: إنه إذا روى الثقة شيئا قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ. يعني المردود. اهـ.


(١) الكتاب المذكور جرى مني الاطلاع عليه مخطوطا حينما أحيل من المقام السامي إلى سماحة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله لأخذ رأيه في طباعته
(٢) انظر ص٦١ من الكتاب نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>