للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المسائل التطبيقية لهذه المسألة ما ذكره ابن حجر رحمه الله في كتابه هدي الساري مقدمة فتح الباري من قوله (١) :

قال الدارقطني: أخرجا جميعا حديث مالك عن الزهري عن أنس قال: (كنا نصلي العصر، ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة) .

وهذا مما ينتقد به على مالك لأنه رفعه، وقال فيه إلى قباء. وخالفه عدد كثير منهم شعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، وعمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، ومعمر، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب وآخرون – انتهى.

وقد تعقبه النسائي أيضا على مالك، وموضع التعقيب منه قوله إلى قباء، والجماعة كلهم قالوا إلى العوالي. ومثل هذا الوهم اليسير لا يلزم منه القدح في صحة الحديث لا سيما وقد أخرجا الرواية المحفوظة اهـ.

فقول ابن حجر رحمه الله: ومثل هذا الوهم اليسير لا يلزم منه القدح في صحة الحديث: يدل على أنه يرى كغيره من حفاظ الحديث، إن الثقة إذا شذ عن الجماعة برواية خالفهم فيها وترتب على هذه الرواية وهم غير يسير، لزم من ذلك القدح في صحة الرواية، وإن كان مالكا أو من يدانيه، فضلا عمن هو دونه.

كما أنه قد يورد مورد اعتراضا على القائلين بمطلق الثمنية، بأن إجماع العلماء منعقد على جريان الربا بنوعيه، في الذهب والفضة، سواء أكانا سبائك أم كانا مسكوكين، فما سك منهما نقدا فلا إشكال في جريان الربا فيه لكونه ثمنه، وإنما الإشكال في جريان الربا بنوعيه في سبائكهما، مع أنهما في حال كونهما سبائك ليسا ثمنا. إلا أنه يمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن الثمنية في الذهب والفضة موغلة فيهما، وشاملة لسبائكهما ومسكوكهما، بدليل أن السبائك الذهبية كانت تستعمل نقدا قبل سكها نقودا. وقد كان تقدير ثمنيتها بالوزن، ومن ذلك ما رواه الخمسة وصححه الترمذي عن سويد بن قيس. قال: (جلبت أنا ومخرمة العبدي بَزًّا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فساومنا سراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجرة فقال له: ((زن وأرجح)) . ومثله حديث جابر في بيعه جمله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((يا بلال اقضه وزده)) . فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا. وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى هذا فجاء في مجموع الفتاوى (٢) :

(إن الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتعاملون بالدراهم والدنانير تارة عددا وتارة وزنا) اهـ.


(١) الجزء الثاني من هدي الساري ص١١١
(٢) مجموع الفتاوى: (١٩/٢٤٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>