للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف الفقهاء في حكم صرف النقود المغشوشة عند اتحاد الجنس كذهب بذهب.

فقال الحنفية إذا كان الغالب الذهب، أو تساوي الذهب وما خلط به، أي ١٢/٢٤ فإنه يأخذ حكم الذهب؛ فيجب التماثل، ويحرم التفاضل. أما إذا كانت نسبة الغش هي الغالبة، فإنه حينئذ يجوز التفاضل. جاء في (بدائع الصنائع) : (الدراهم المضروبة أقسام ثلاثة: إما أن تكون الفضة فيها هي الغالبة، وإما أن يكون الغش فيها هو الغالب، وإما أن تكون الفضة والغش فيها على السواء فإن كانت الفضة فيها هي الغالبة بأن كان ثلثاها فضة وثلثها صفرا أو كانت ثلاثة أرباعها فضة وربعها صفر ونحو ذلك فحكمها حكم الفضة الخالصة لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة إلا سواء، وكذا بيع بعضها ببعض لا يجوز إلا مثلا بمثل لأن اعتبار الغالب وإلحاق المغلوب بالعدم هو الأصل في أحكام الشرع؛ ولأن الدراهم الجياد لا تخلو عن قليل غش) (١) .

لكن متأخري الحنفية وهم مشايخ ما وراء النهر قالوا: الدراهم المضروبة التي غالبها الغش يجب أن تعامل معاملة الخالصة؛ في بابي الربا والصرف. فلا يجوز فيها التفاضل (٢) .

وذهب المالكية على الراجح من مذهبهم إلى جواز بيع المغشوش بمثله مبادلة، ومراطلة، كما يجوز بيعه بالخالص من الغش مراطلة. جاء في شرح الخرشي: (وجاز بيع مغشوش بمثله وبخالص، وجعله في الشامل المذهب، ابن عرفة، وهو اختيار ابن محرز واستظهر ابن رشد منعه وإليه أشار بقوله والأظهر خلافه، وأنه لا يجوز بيع المغشوش بالخالص، والخلاف إنما هو في المغشوش الذي لا يجري بين الناس كغيره، وإلا فيجوز اتفاقا كما يظهر من كلام التوضيح، وظاهر كلام ابن رشد دخول الخلاف فيه أيضا، وإنما أعاد العامل في قوله وبخالص لأجل قوله والأظهر خلافه فإن خلاف ابن رشد إنما هو في الثانية) (٣) .

وقال الشافعية: (لا يجوز بيع دراهم مغشوشة بمغشوشة، أو بخالصة؛ لاشتمالهما على جنسين ربويين من الجانبين، أو من جانب واحد. وهي مسألة مد عجوة) (٤) . وقد تعرضنا لها في المبحث الخامس.

وقال الحنابلة: (إذا بيعت النقود المغشوشة بالمغشوشة من جنسها جاز البيع إذا تساوى ما فيهما من الذهب، أو الفضة والغش، أو كان المعدن الذي حدث به الغش غير مقصود فيها. كالجنيهات الذهبية إذا خلطت بالنحاس أو الصفر؛ لأنها لا تخلو عن قليل غش؛ ووجود مقدار من الغش فيها غير مقصود، فلا يكون من قاعدة مد عجوة. أما إذا تفاوت ما فيهما من الذهب ومن الغش، أو جهل مقدار كل فإنه لا يجوز بيع بعضها ببعض. للعلم بالتفاضل في الأولى، والجهل بالتماثل في الثاني) (٥) .


(١) ٢٥/١٩٦؛ فتح القدير ٧/١٥١
(٢) البدائع؛ فتح القدير ٧/١٥٣
(٣) ٥/٥٢، وانظر أيضا: شرح الزرقاني ٥/٥٧، ومواهب الجليل ٤/٣٣٥، ومنح الجليل ٢/٥٣٠
(٤) مغني المحتاج ٢/٢٨
(٥) كشاف القناع ٣/٢٦١، ٢٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>