للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن رشد: (ونقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمن بني أمية لأنها كانت سكة واحدة والتجار كثير والناس مجتازون، والأسواق متقاربة، فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى بذلك بأسا؛ فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب، فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم لأن الضرورة ارتفعت، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكى أنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين والمصريين فلم يرخصوا فيه علي حال) (١) .

وبعدما سبق فقد تحرر مذهب الإمام مالك رحمه الله؛ وهو في الحلي بيعه بمثله قولا واحدا. قال ابن حبيب: (وأما الصائغ فلا يجوز ذلك معه قولا واحد) . يؤيده ما نقلناه عن الإمام فيما سبق.

وشبهة من ظن أنه يقول به في الحلي أمران:

الأول: قياسهم بيع الحلي على الإتلاف؛ فإذا أتلف على إنسان ذهبا مصوغا فإنه يرد مثل الذهب، وقيمة الصنعة. قال القاضي عبد الوهاب: (إن زيادة قيمة الصنعة إنما لا تراعى إلا في الإتلاف دون المعاوضات) . (٢) .

الثاني: مسألة ضرب السكة، ودفع الأجرة عليها، وفيها روايتان عن مالك، رواية الجواز مع الكراهة، وقيدها بالضرورة واحتج بضرورة الناس إلى الدراهم، وتعذر الصرف إلا في دار الضرب، مع حاجة الناس إلى الاستعجال، وانحفاز المسافر للمرور مع أصحابه وخوفه على نفسه في الانفراد، ويخاف إن غاب عنه ذهبوا أن لا يعطاه ويمطل به، والضرورة العامة تبيح المحظورات، وأما اليوم فقد صار الضرب بكل بلد واتسع الأمر فلا يجوز له (٣) .

ومعلوم أن حالة الإتلاف غير حالة البيع، وأن مسألة ضرب السكة، والتي للضرورة لا يصح تجويز بيع الحلي بمثله وزيادة قيمة الصنعة عليها، لأن هذا للضرورة ولا ضرورة في بيع الحلي بمثله وزيادة أجرة الصنع.


(١) البيان والتحصيل ٦/ ٤٤٣
(٢) المجموع ١٠/٧٩
(٣) المنتقى ٤/٢٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>