للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وكان معاوية يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب لا في التبر من الذهب والفضة بالمضروب، ولا في المصوغ بالمضروب، (وقيل: إنما كان ذلك منه في المصوغ خاصة والله أعلم) حتى وقعت له (الحادثة التي ذكرناها مع عبادة) ؛ وقد سأل عن ذلك أبا سعيد بعد حين، فأخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم التفاضل في الفضة بالفضة والذهب بالذهب: تبرهما وعينهما، وتبر كل واحد منهما بعينه) (١) .

وإنما كان سؤاله أبا سعيد استثباتا؛ لأنه كان يعتقد أن النهي إنما ورد في العين، ولم يكن – والله أعلم – علم بالنهي حتى أعلمه غيره. وخفاء مثل هذا على مثله غير نكير؛ لأنه من علم الخاصة، وذلك موجود لغير واحد من الصحابة. ويحتمل أن يكون مذهبه، كان كمذهب ابن عباس؛ فقد كان ابن عباس – وهو بحر العلوم – لا يرى بالدرهم بالدرهمين يدا بيد بأسا حتى صرفه عن ذلك أبو سعيد (٢) .

ووجه الدلالة من حديث القلادة أنها نوع من الحلي، تتحلى بها النساء، وقد أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم بيعها عندما بيعت بذهب، لعدم العلم بتساوي ذهب القلادة بالذهب الذي هو ثمنها؛ حيث إن اقتران قلادة الذهب بالخرز يؤدي إلى عدم العلم بوزن ذهبها. فأمر بفصل الخرز أولا، ثم تساوي الثمن والمثمن، دون التفات إلى قيمة الصناعة في القلادة المذكورة، ولو كانت صناعة الحلي يجوز أن تقابل بالزيادة، لما أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم البيع المذكور؛ ولما أوجب التساوي، بل لا بد أن يبينه. لكنه أكد عدم جواز الزيادة التي منعها في الواقعة المذكورة بقوله: ((الذهب بالذهب وزنا بوزن)) . وقوله: الذهب، أي ذهب كان فهو شامل للحلي، لأنه جاء بيانا لحكم واقعة، هي بيع حلي بذهب. وهذه القضية نص في الموضوع لا تحتمل أي تأويل.

وحديث السعدين، عندما باعا الآنية بالزيادة قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ((: أربيتما فردا)) . وهذا يقتضي منع الزيادة في الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وفي الحلي وغيرها؛ لأن الضرب نوع من الصنعة.

وأمره صلى الله عليه وسلم برد البيع دليل على فساد العقد.

ووجه الدلالة من حديث عبد الله بن عمر مع الصائغ، نهيه رضي الله عنه الصائغ أن يأخذ فضلا على قدر عمل يده. ثم بين الحالة التي يكون البيع فيها صحيحا وهي الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما. فالفضل بينهما الذي سأل عنه الصائغ، ورغب في تجويزه؛ وذلك بتكرير المسألة؛ وتبيين تبريره، وهو أن يستفضل قدر عمل يده؛ بين له الحكم وهو النهي عنه. ثم بين له الحالة التي يكون بيع الحلي فيها صحيحا عند اتحاد الجنس، فقال: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم. ثم أكد الحكم بدليله؛ حيث قال: (هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم) . فدل على أن هذا القول ليس من ابن عمر وإنما استند في فتواه إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا له حكم المرفوع.


(١) التبر: الذهب قبل أن يضرب. العين: الذهب إذا كان مضروبا
(٢) التمهيد ٤/٧٣ و٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>