للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: (تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكم دل عليه النص، ولم يفهموا دلالته عليه، وسبب هذا الخطأ حصرهم الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ دون إيمائه، وتنبيهه، وإشارته، وعرفه عند المخاطبين، فلم يفهموا من قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ضربا، ولا سبًّا، ولا إهانة غير لفظة أف، فقصروا في فهم الكتاب كما قصروا في اعتبار الميزان) (١) .

وقال – بصدد إنكاره على من قال: إن القياس كله باطل-: (وأنكروا القياس الجلي الظاهر، حتى فرقوا بين المتماثلين) (٢) .

وقال بصدد تناقض القياسيين: (وتركهم لما هو نظيره من كل وجه، أو أولى منه) (٣) .

فتبين من التعاريف التي ذكرناه، والتقسيمات التي نقلناها عن علماء الأصول، ومنهم ابن القيم أن قياس بيع الحلي بجنسه متفاضلا في الجواز على العرايا بعلة الحاجة ليس قياسا جليا؛ لأنه لا يساويه، فضلا عن أن يكون أولى منه، ولأن العلة ليس منصوصا عليها، ولا مجمعا عليها، وأين هذا من قياس الضرب على التأفيف، أو الأمة على العبد في سراية الحرية؟ بل إن الرخصة هنا منصوص على قصرها – كما سبق في بيانه في الحديث الشريف – فحكم الأصل قاصر عليه، فلا يقاس عليه غيره.

ثالثا: وأما مسألة تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي:

أ - فإضافة إلى الأحاديث العامة أوردنا أحاديث خاصة صحيحة ناصة على المنع من الزيادة في بيع حلي الذهب والفضة بجنسه. ومن هنا فليس هناك مجال للقول بتخصيص العموم في هذا الموضوع.

ب - لم يثبت القياس الجلي- كما سبق بيانه – حتى يمكن التخصيص به.

٢- قال ابن القيم رحمه الله: (إن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به حلي الفضة، أو فضة يشترون بها حلي الذهب، وأن البائع لا يسمح ببيعه ببر أو شعير أو ثياب، والاستصناع متعذر أو متعسر) (٤) . وهكذا سد كل الأبواب إلا بابا واحدا هو المطلوب إثبات جوازه. ولكنا لا نسلم وجود الحاجة؛ لأنه يمكن لمشتري الحلي من الذهب أن يشتريها بغير جنسها؛ كالفضة، أو الأوراق النقدية المتداولة اليوم، أو أي عملة يستقر عرف المجتمع في هذا العصر أو في العصور القادمة على أنه نقود، أو بعروض التجارة؛ كالعقار، والمنقول.


(١) إعلام الموقعين ١/٣٧٧
(٢) إعلام الموقعين ١/٣٧٣
(٣) إعلام الموقعين ١/٣٦٨
(٤) إعلام الموقعين ٢/١٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>