للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قيل بها في شراء الحلي، لقيل بها في شراء الطعام؛ كالبر، والتمر، ونحوهما؛ إذ الحاجة إلى الطعام أشد من الحاجة إلى الحلي؛ لأن الطعام ضروري لحياة الإنسان، بخلاف الحلي. ولأنه يحتاجه جميع الناس ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا. أما الحلي فلا يستعمله إلا النساء؛ لذا فإن القول بأن الحاجة إلى بيع المصوغ وشرائه أشد من الحاجة إلى شراء الرطب بالتمر غير مسلم؛ لما بيناه.

والقول بأن العاقل لا يبيع هذه من جنسها بوزنها، فإنه سفه، وإضاعة للصنعة.

يجاب عليه بأنكم توافقون على أنه لا يجوز بيع المضروب بالتبر إلا متماثلا، وحالًّا، مع أن الضرب نوع من الصنعة، وفيه زيادة عمل. فكيف صار إهدار الصنعة في الحلي سفهًا وفي المضروب رشدًا؟ ثم إن الشارع وضع قاعدة عامة في أموال الربا؛ وهي التساوي، والحلول، عند استواء الجنس، ولم يستثن شيئا منها، إلا العرايا بنص خاص، وتضمن النص قصر الرخصة عليها، فلا تجوز تعديته إلى غيرها، كما بيناه فيما سبق. فمن أين يأتي استثناء للحلي لم يذكره الشارع؟ بل ذكر منعه؛ كما في النصوص التي سبق ذكرها.

وأما القول بأن الشريعة لم تلزم الناس بأن يبيعوا ذلك بغير جنسه فغير مسلم؛ فقد ألزمت الناس أن يبيعوها بغير جنسها إذا أرادوا الفضل. يدل عليه الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال: أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: ((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) . وهذا لفظ البخاري (١) .

٣-القول بأن الحلي بالصنعة صارت سلعة كسائر السلع، لا من جنس الأثمان؛ فتجوز مبادلتها بجنسها تفاضلا، ونساء؛ ترده النصوص التي استبدل بها المانعون؛ ولأن الشارع منع الزيادة ولم يقم اعتبارا للجودة أو الصناعة؛ بدليل حديث ((إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) . فألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتبار الجودة، وأوجب المساواة؛ بدليل أنه لو اختلف الجنس، كذهب بفضة أو فضة بذهب، لجازت الزيادة، مع أن كلا منهما ليس سلعة؛ فسبب المنع من الزيادة اتحاد الجنس، فإذا اتحد الجنس في أموال الربا يجب التساوي، ويحرم التفاضل، حتى لو كان أحدهما سلعة. ولأن طحن الحب زيادة صنعه، ومع ذلك فلا يجوز بيع الدقيق بالحب لتعذر التساوي، جاء في المحرر لمجد الدين ابن تيمية – جد شيخ الإسلام – (ولا يجوز بيع حب بدقيقه أو سويقه) (٢) .


(١) صحيح البخاري بشرحه ٤/٣٩٩؛ صحيح مسلم بشرحه ٤/١٠٥؛ جامع العلوم والحكم ص٧٦
(٢) ١/٣٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>