للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- قياس الصناعة على الإتلاف في وجوب الزيادة ممنوع؛ لأن إمكانية إعمال القياس هو فيما لا نص فيه مع اتحاد العلة في المقيس والمقيس عليه، أما وقد وردت نصوص صحيحة، صريحة في منع الزيادة مقابل الصنعة فلا مجال للقول بإعمال القياس هنا، مع أنه لا توجد علة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه ففي حالة ضمان المتلف صورة البيع منتفية تماما، لأن الإتلاف لا يتم برضا الطرفين المتلف، وصاحب الحلية المتلفة، كما هو في البيع، كما أنه تضمين الغاصب ليس من قبيل البيع، بل من قبيل تضمين المعتدي (١) . (لأنه لا يمتنع أن يجري التفاضل في قيمة المتلف ولا يجري في البيع، ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع درهما صحيحا بأكثر من درهم مكسر لم يجز؟ ولو أتلف على رجل درهما صحيحا ولم يوجد له مثل فإنه يقوم بالمكسر، وإن بلغت قيمته أكثر من درهم، ولا يكون ربا، فدل على الفرق بين البيع والإتلاف. ولأن الإتلاف قد يضمن به ما لا يضمن بالبيع. ألا ترى أن من أتلف أم ولد لزمته قيمتها، ولو باعها لم تصح ولم تجب عليه قيمتها، فدل على الفرق بالضمانين وبطل اعتبار أحدهما بالآخر) (٢)

٥- والقول بعدم جريان الربا في الحلي قياسا على عدم وجوب الزكاة فيها مردود؛ لأنه ليس هناك علاقة ولا موافقة بين الربا والزكاة، لا من حيث الأموال، ولا من حيث الأحكام، وبالتالي فإنه لا مانع من أن يكون الحلي ربويا؛ ولا يكون زكويا.

ثم إن عدم وجوب الزكاة فيها ليس لكونها بالصناعة خرجت عن جنس الأثمان، بل لأن من شروط الزكاة أن يكون ملك النصاب خاليا من الحوائج الأصلية، والحلية تعتبر من الحاجات الأصلية للنساء. وعدم وجوب الزكاة دلت عليه النصوص الشرعية، أما عدم اعتبار الربا في الحلي فقد عارضته النصوص.

قال أبو عبيد: (ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سن في الذهب والفضة سنتين: إحداهما في البيوع، والأخرى في الصدقة.

فسنته في البيوع قوله: ((الفضة بالفضة مثلا بمثل)) فكان لفظة (بالفضة) مستوعبا لكل ما كان من جنسها، مصوغا وغير مصوغ. فاستوت في المبايعة: ورقها وحليها ونقرها. وكذلك قوله: ((الذهب بالذهب مثلا بمثل)) فاستوت فيه دنانيره، وحليه وتبره.

وأما سنته في الصدقة فقوله: ((إذا بلغت الرقة خمس أواقي ففيها ربع العشر)) فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة الرقة من بين الفضة وأعرض عن ذكر سواها، فلم يقل: إذا بلغت الفضة كذا ولكنه اشترط الرقة من بينها) (٣) .


(١) أحكام عقد الصرف ص٤٥٨
(٢) المجموع ١٠/٨٢
(٣) الأموال لأبي عبيد ص٤٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>