للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني

المصارفة بالوديعة المصرفية

المصارفة بالوديعة المصرفية جائزة عند الفقهاء، وهو مذهب الحنابلة، ورواية عن الإمام مالك (١) .

جاء في كشاف القناع: (وإن كان له عنده دينار وديعة فصارف رب الدينار الوديع به وهو معلوم بقاؤه أو مظنون بقاؤه صح الصرف لانتفاء الغرر وإن شك في عدم وجود الدينار صح الصرف أن الأصل بقاؤه) .

ويتخرج القول بجوازها على مذهب الحنفية والشافعية والرواية الأخرى عند المالكية؛ لأن منعهم الصرف بالوديعة معلل بعدم دخولها في ضمان المودع، أو لعدم حضورها. فهذا غير متحقق في الوديعة المصرفية. قال الباجي: (ولأن حق المودع متعلق بعين ماله-[أي المال المودع] – ولم يتعلق بذمة الشخص المودع فلا يجوز أن يصارف به إلا عند حضوره) (٢) .

يقول الإمام الشافعي: (وإذا كان للرجل عند الرجل دنانير وديعة فصارفه فيها ولم يقر الذي عنده الدنانير أنه استهلكها حتى يكون ضامنا. ولا أنها في يده حين صارفه فيها فلا خير في الصرف، لأنه غير مضمون ولا حاضر، وقد يمكن أن يكون هلك في ذلك الوقت فيبطل الصرف) (٣) .

وقال السرخسي: (إذا استودع رجل رجلا.... فوضعها في بيته ثم التقيا في السوق فاشتراها منه بمئة دينار ونقد الدنانير لم يجز أن يفارقه قبل أن يقبض الوديعة من بيته؛ لأن الوديعة أمانة في بيته والقبض المستحق بالعقد قبض ضمان فقبض الأمانة لا ينوب عند لأنه دونه) (٤) .

فالمحترزات التي ذكرها الفقهاء، وهي غياب الوديعة، أو عدم ضمانها من قبل المودع – المصرف – لا تتصف بها الودائع المصرفية في هذا العصر؛ لأنها مضمونة على المصرف، وهي إن سميت وديعة إلا أنها قد كيفت من كثير من الباحثين المعاصرين على أنها قرض؛ بدليل أن الوديعة لو تلفت لا يضمنها المصرف، والودائع المصرفية في هذا العصر يضمنها المصرف ولأن الوديعة لا يجوز تصرف المودع بها، ولا خلطها بماله، والواقع أن المصارف تتاجر بالودائع، وتخلطها بأموالها، لكل هذا فهي قرض، وقبض المصرف ضمان. وما دام ذلك كذلك فإنه يجوز المصارفة على المذاهب الأربعة.

يقول الصاوي: (لأنه لما دخل على الضمان المرتهن أو المودع صار كأنه حاضر في مجلس الصرف) (٥) .


(١) المغني ٦/١١٨ و١١٩؛ كشاف القناع ٣/٢٧٠
(٢) المنتقى ٤/٢٦٣
(٣) الأم ٣/٣١
(٤) المبسوط ١٤/٥٣
(٥) بلغة السالك ٢/١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>