للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إن اجتماع الصرف والإجارة في عقد واحد يشمله نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عقدين في عقد.

قلنا: إن المنهي عنه إذا كان أحد العقدين شرطا للآخر، مثل أن يقول: أبيعك بشرط أن تؤجرني؛ أو أقرضك على أن تشركني، أو لا أصرف لك أن تحول المبلغ لي. وهذا كله غير موجود في العقد؛ فإن دافع النقود يستطيع أن يصرف دون أن يلزمه المصرف بالتحويل له، والإجارة عليه، وبإمكانه أن ينقل نقوده إلى أي بلد بدون صرف. فليس أي من العقدين متوقفا على الآخر؛ بل كل منهما مستقل عن الآخر.

فإن قيل: كيف يتحمل المصرف الضمان عند هلاك المال، دون أن يثبت إهماله أو تفريطه؛ كما لو وقع عليه حريق؛ أو آفة لا دخل له فيها؟

أجيب عليه بأن الأجير المشترك عليه الضمان عند جماعة من العلماء (١) . (وهذا القول هو الموافق لمقاصد الشريعة في حفظ الأموال، وتضمينه هو سبب وجود الثقة في هذه المعاملات. وإذا ثبتت أنه لم يفرط أو كان التلف مما لا يمكن الاحتراز منه فلا وجه للقول بتضمينه وبهذا يتم الجمع بين المصلحتين؛ مصلحة أصحاب الأموال والأجراء. أما إذا قلنا بعدم تضمينه فإن المفسدة التي تلحق أصحاب الأموال أعظم من المفسدة التي تلحق الأجراء في حال القول بتضمينه، وإذا علم الأجير أنه ضامن بعثه ذلك على التحرز وعدم التفريط، وأخذ الحيطة لنفسه) (٢) .

وقال الأستاذ مصطفى الزرقا: (إن الأجير وهو المحيل في السفتجة لن يقوم بما استؤجر عليه وهو إيصال المال الذي دفعه إليه المستأجر إلى البلد المطلوب بل سيحتفظ به ليقبض المستأجر بدلا عنه في البلد الآخر، والإجارة لا بد في انعقادها من أجرة ليتحقق معناها فبماذا استحق الأجرة إذا لم يقم الأجير بالعمل) (٣)

ويجاب على هذا بأن العمل قد تحقق ذلك أنه هو المنفعة، وهو تهيئة النقود وتحقق وجودها في المكان الذي يريده المؤجر، وذلك يتحقق بنقلها حسيا، أو بتوفير مثلها هناك في فرعه أو لدى وكيله؛ لأن النقود لا تتعين بالتعيين، كما هو الراجح من قولي العلماء في النقود الذهبية والفضية. وكما هو الثابت في النقود الورقية في هذا العصر. بدليل أن المستأجر لو عدل عن نقل النقد وقد تسلمه المصرف؛ فإنه لا يلزم المصرف ردها بعينها، بل يعطيها مثلها.


(١) الإجارة الواردة على عمل الأشخاص؛ للدكتور شرف بن علي الشريف؛ ص٢٥٣-٢٥٨
(٢) أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص٣٧٦
(٣) الموسوعة الفقهية؛ الحوالة؛ ص٢١٢؛ ط تمهيدية، الأنموذج الثالث

<<  <  ج: ص:  >  >>