فلما ثبتت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد وحمل إلى بلاد الروم منها انتشر خبرها ووصل إلى ملكهم، وترجم له ذلك الطراز فأنكره وغلظ عليه واستشاط غيظا فكتب إلى عبد الملك: إن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم، ولم يزل يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته، فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت وإن كنت قد أصبت فقد أخطؤوا فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت، وقد بعثت إليك بهدية تشبه محلك، وأحببت أن تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق حاجة أشكرك عليها وتأمر بقبض الهدية، وكانت عظيمة القدر، فلما قرأ عبد الملك كتابه رد الرسول وأعلمه أنه لا جواب له ورد الهدية فانصرف بها إلى صاحبه فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول إلى عبد الملك وقال: إني ظننتك استقللت الهدية فلم تقبلها، ولم تجبني عن كتابي، فأضعفت الهدية وإني أرغب إليك إلى مثل ما رغبت فيه من رد الطراز إلى ما كان عليه أولا، فقرأ عبد الملك الكتاب ولم يجبه ورد الهدية، فكتب إليه ملك الروم كتابا يقتضي أجوبة كتبه ويقول: إنك قد استخففت بجوابي وهديتي ولم تستعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فضعفتها فجريت على سبيلك الأول وقد أضعفتها ثالثة وأنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما كان عليه أو لأمرن بنقش الدنانير والدراهم فإنك تعلم أنه لا ينقش شيء منها إلا ما ينقش في بلادي، ولم تكن الدراهم والدنانير نقشت في الإسلام فينقش عليها شتم نبيك، فإذا قرأته ارفضّ جبينك عرقا، فأحب أن تقبل هديتي وترد الطراز إلى ما كان عليه ويكون فعل ذلك هدية تودني بها ونبقى على الحال الأول بيني وبينك، فلما قرأ عبد الملك الكتاب صعب عليه الأمر وغلظ وضاقت به الأرض وقال: أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام لأني جنيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من شتم هذا الكافر ما يبقى عبر الدهر ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب إذا كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم ودراهمهم فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به، فقال له روح بن زنباع: إنك لتعلم المخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه، فقال: ويحك من؟