للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: عليك بالباقر من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدقت ولكنه أرتج عَلَيَّ الرأي فيه، فكتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إلى محمد بن علي بن الحسين مكرما، ومتعه بمئة ألف درهم لجهازه وبثلاثمائة ألف درهم لنفقته وأرح عليه في جهازه وجهاز من يخرج معه من أصحابه وحبس الرسول قبله إلى موافاة محمد بن علي، فلما وافاه أخبره الخبر، فقال له محمد رحمه الله تعالى: لا يعظم هذا عليك فإنه ليس بشيء من جهتين: إحداهما إن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخرى وجوب الحيلة فيه. قال: وما هي؟ قال: تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير، وتجعل النقش عليها صورة التوحيد وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الدرهم والدينار والآخر في الوجه الثاني. وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي تضرب فيها تلك الدراهم والدنانير وتعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وعشرة منها وزن ستة مثاقيل، وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فتكون أوزانها جميعا أحدا وعشرين مثقالا فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبع مثاقيل، وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان فتضرب الدراهم على وزن عشرة، والدنانير على وزن سبعة مثاقيل وكانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسراوية التي يقال لها اليوم البغلية، لأن رأس البغل ضربها لعمر رضي الله عنه بسكة كسروية في الإسلام مكتوب عليه صورة الملك، وتحت الكرسي مكتوب بالفارسية نوش خور: أي كل هنيئا، وكان وزن الدرهم منها قبل الإسلام مثقالا، والدراهم التي كان وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل، والعشرة وزن خمسة مثاقيل هي السمرية الخفاف والثقال ونقشها نقش فارس.

ففعل ذلك عبد الملك، وأمره محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه أن يكتب السكك في جميع بلدان الإسلام، وأن يتقدم إلى الناس في التعامل وأن يتهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكة من الدراهم والدنانير وغيرها، وأن تبطل وترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكك الإسلامية، ففعل عبد الملك ذلك ورد رسول ملك الروم إليه يعلمه بذلك ويقول: إن الله عز وجل مانعك مما قد أردت أن تفعله، وقد تقدمت إلى عمالي في أقطار البلاد بكذا وبكذا وبإبطال السكك والطروز الرومية، فقيل لملك الروم: افعل ما كنت تهددت به ملك العرب، فقال: إنما أردت أن أغيظه بما كتبت إليه لأني كنت قادرا عليه والمال وغيره برسوم الروم فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الإسلام وامتنع من الذي قال، وثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه إلى اليوم، ثم رمى يعني الرشيد إلى بعض الخدم (١) .


(١) حياة الحيوان للدميري: ١/ ٩٢- ٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>