٢- علة الثمنية الثابتة للدينار قديما ومدى اعتبارها في النقدين، الذهب والفضة، بعد انتشار الأوراق النقدية:
السؤال الذي يطرح نفسه بادئ الأمر بالنسبة لنقود اليوم هو أن الأوراق الاعتبارية هل تلحق – في باب الصرف – بالنقدين، الذهب والفضة أولا؟ وذلك من ناحتين.
أ- بلحاظ حرمة التفاضل.
ب- بلحاظ اشتراط القبض.
أما بالنسبة إلى حرمة التفاضل: فقد تعارف القول بحرمة أخذ الزيادة حتى في هذه الأوراق المالية المتعارفة اليوم، فلو اقترض أحد ألف دينار ملتزما بإرجاع ألف ومئتين مثلا بعد سنة كان ذلك ربا.
ولكن يمكن أن يقال فيما إذا لم تكن الزيادة أكثر من زيادة التضخم في الأسعار بجواز أخذ الزيادة وذلك بيان أن هذه الأوراق التي تعتبر مثلية فلا تلحظ في مثليتها شكل الورق مثلا بل تلحظ في مثليتها قوتها الشرائية، فإذا كان الألف والمئتان بعد سنة يساوي الألف لما قبل سنة في القوة الشرائية أو كان أقل من ذلك فلا زيادة في المقام وليس هناك ربا (١) .
وقبل الخوض في صميم الموضوع لا بد من التأمل في أنه هل يصح قياس الأوراق المالية المتداولة اليوم بالشيكات والسندات بدعوى أنها تحكي عن أرصدتها لدى الدولة أو لدى مصدرها وليست لها مالية مستقلة، أو لا يصح ذلك؟
وتوضيح ذلك: أن النقود والأوراق المالية – كما ألمحنا إلى مجمل تاريخها – مرت بأدوار:
الدور الأول: دور نيابتها عن أرصدتها من ذهب أو فضة محتفظ بها في خزانة مصدر الأوراق، تكون هي في الحقيقة ملكا لأصحاب الأوراق وليست هذه الأوراق إلا حاكية عن تلك الأرصدة.
وفي هذا الفرض لا ينبغي الإشكال في حرمة أخذ الزيادة لأنه ربا وقد {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة:٢٧٥] .
الدور الثاني: ما بدأ بعد أن أحس المصدرون للأوراق بأنهم غير مضطرين إلى الاحتفاظ بعين الأرصدة بمقدار الأوراق المصدرة، لأن أصحاب الأوراق سوف لن يطالبهم جميعا في وقت واحد بتسليم الرصيد فتبدل الاحتفاظ بالأرصدة إلى التعهد بدفع الرصيد لمن جاء بالورق إلى مصدر الأوراق.
(١) راجع الحلقة السادسة من سلسلة: الإسلام يقود الحياة، للشهيد الصدر رحمه الله ص١٠٩