الأول: أن الجهة المصدرة تعتبر نفسها مدينة لصاحب الورق بمقدار رصيده ومعناه أن الورق أصبح أيضا شيكا وسندا لكنه لا يحكي عن رصيد خارجي كما هو الحال في الدور السابق بل يحكي عن رصيد الذمة.
وحينئذ يمكن أن يقال بأنه لا مانع من أخذ الزيادة لأنه من قبيل بيع الدين بأقل منه.
الثاني: إن الجهة المصدرة لا تأخذ على ذمتها، وإنما تتعهد تعهدا مستقلا عن ترجمة الورق لرصيد بأن من أتى له بشيء من هذه الأوراق قدم له من الرصيد بقدره وهذا التعهد يمنح للورق اعتبارا وقيمة لدى الناس باعتبار ثقتهم بالجهة المتعهدة.
وهذه يعني أن الورق إذا لم يصبح شيكا وسندا بل أصبح أمرا ذا مالية، وتعهد الجهة المصدرة لدفع الرصيد وهو حيثية تعليلية لاعتبار المالية اجتماعيا لهذا الورق.
وقد رجح الشهيد الصدر رحمه الله هذا التفسير وأيد ذلك بأن استهلاك السند أو سقوطه عن الاعتبار لا يعني تلاشي الدين، في حين أن أي شخص تتلاشى لديه الورقة النقدية أو يسقط الحكومة اعتبارها ولا يسارع إلى استبدالها بالنقود الجديدة لا تعتبر الجهة المصدرة نفسها مسؤولة أمامه عن دفع قيمة الورقة المتلاشية أو التي سقط اعتبارها وتماهل في استبدالها، فكأن هناك تعهدا بدفع القيمة ذهبا لمن يملك الورقة لا أن الورقة تعطى لمن يملك قيمتها ذهبا في ذمة الجهة المصدرة ولهذا يميزها القانون عن سائر الأوراق التجارية من شيكات وكمبيالات حيث يمنحها صفة النقد والإلزام بالوفاء بها، دون الأوراق الأخرى التي لا تخرج عن كونها سندات (١) .
وعلى هذا الأساس تكون الزيادة محرمة لكونها من مصاديق الربا المحرم، وكذلك لو قلنا بأن الأوراق المالية الرائجة في العالم تعتبر هي الأموال ولا تعتبر حاكية عما في الذمم وذلك بدعوى التعدي العرفي من مورد النص وهو – الذهب والفضة – إلى كل ما أصبح نقدا رائجا لأن العرف يفهم أن حرمة الزيادة في الذهب والفضة لم يكن لخصوصية فيهما بل لكونهما نقدين رائجين.
والتحقيق أن يقال: إن إشكال التفاضل في الصرف يمكن أن ينشأ من أحد وجهين الأول منهما شامل للنقد والنسيئة والثاني منهما يختص بفرض النسيئة.