أما الوجه الأول: فهو التعدي من باب الصرف الوارد في الذهب والفضة إلى الأوراق الاعتبارية، بدعوى أن العرف يلغي خصوصية الذهب والفضة ويفهم أن المقياس في حرمة التفاضل كونه نقدا رائجا فما يحرم التفاضل في تبديل الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة كذلك يحرم ذلك في هذه الأوراق، لأن إشكال التفاضل يختص بالجنس الواحد ووحدة الجنس أمر عرفي فلا يقصد به في المقام كونه ورقا أو كونه نحاسا مثلا أو أي شيء آخر، بل يقصد به: أن يطلق عليه كلمة واحدة فالريال مثلا كله جنس واحد، سواء صنع من الأوراق أو من غير الأوراق، فهل يجوز التفاضل في صرفه بالريال أم لا؟ ومع وحدة الجنس فمن الطبيعي عدم الجواز.
ولكن يمكن المناقشة فيه بعدم إمكان الجزم بأن المقياس في حرمة التفاضل هو كونه نقدا رائجا بل الحكم ثابت في ذات الذهب والفضة وإن لم يكن نقدا رائجا وكذلك في كل مكيل أو موزون.
ومما يشهد لكون الحكم تعبديا محضا ولم يكن بنكتة عقلانية اقتصادية ثابتة في الأوراق أيضا – حرمة التفاضل حتى مع فرض الاختلاف في الجودة والرداءة، وذلك لأن تلك النكتة العقلانية لو كانت هي المؤثرة في الحرمة – أعني ثبوت الربح بلا مقابل – فهي منتفية فيما إذا كانت الزيادة في القسم الرديء في مقابل القسم الجيد.
نعم إذا فرضنا أن تلك النكتة حكمة لتحريم التفاضل على الإطلاق، وإن كانت قد تتخلف في بعض الموارد، فيمكن الحكم بحرمة التفاضل في الأوراق، ويؤيد ذلك تعليل التحريم في بعض الروايات بتلك النكتة.
روى الشيخ الصدوق رحمه الله في كتاب "علل الشرائع" بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في حديث: " ... وعلة التحريم الربا، لما نهى الله عز وجل عنه، ولما فيه من فساد الأموال، لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال، على المشتري وعلى البائع، فحرم الله عز وجل على العباد الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يؤنس منه رشد، فلهذه العلة حرم الله عز وجل الربا وبيع الدرهم بالدرهمين (١) .