للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: الفرق بين الصنعة التي هي أثر فعل الآدمي وتقابل بالأثمان ويستحق عليها الأجرة، وبين الصفة التي هي مخلوقة لله لا أثر للعبد فيها ولا هي من صنعته فالشارع بحكمته وعدله منع من مقابلة هذه الصفة بزيادة إذ إن ذلك يفضي إلى نقضه ما شرعه من المنع من التفاضل ... (١) .

والمناقشة في كلامه واضحة بعد تصريحه بأن الصفة لا تقابل بالزيادة وأن تجويز ذلك يفضي إلى نقض ما شرعه الله من المنع في التفاضل. فبعد اعترافه هذا كيف يجوز تقابل صفة الصياغة والصناعة بالزيادة.

ومجرد كونه صفة مخلوقة لله تعالى وصفة أخرى مخلوقة للبشر لا يكون فارقا بالنسبة إلى تحقق الربا في مقابلة الصفات بالزيادة، ولازم ذلك تجويز مبادلة طن من الحنطة الجيدة بطنين من الحنطة الرديئة فيما إذا كانت صفة الجودة بصنع البشر من إصلاح البذر والسقي المناسب ورفع الآفات ونحو ذلك، ولم يقل به أحد.

وأما استدلاله بلزوم العسر والحرج، ففيه: أنه لو كانت المبادلة فيما بين الذهب المصوغ وغيره منحصرا بالذهب لكان يلزم منه الحرج ولم يتصد أي أحد لهذه الصناعة التي لا يجوز له أن يأخذ شيئا زيادة على ذهبه.

وأما مع عدم انحصار المبادلة بالذهب وجوازه بالفضة مضافا إليه جواز إعطاء الذهب للصائغ ودفع الأجرة بإزاء عمله من نفس الذهب أو شيء آخر من العروض، ومعه فلا يلزم الحرج ولم يترك الصواغ عمله، كما هو المشاهد من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وخاصة بعد تعارف المبادلة فيما بين السلع والنقود الشائعة، فالإشكال مرتفع من أصله.

ومما يؤكد المطلب ما أخرجه البيهقي في سننه عن مجاهد أنه قال: كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله بن عمر ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهدنا إليكم (٢) .

وقال النووي: قال الشيخ أبو حامد: قال الأوزاعي: كان أهل الشام يجوزون ذلك فنهاهم عمر بن عبد العزيز.

٥-المتاجرة في الأواني أو الحلي والساعات الذهبية المصنوعة للرجال، ويقع البحث في مقامين:

الأول: في حرمة استعمال أواني الذهب والفضة والساعات الذهبية المصنوعة للرجال، وحكم اقتنائها من دون استعمال.

الثاني: في جواز المتاجرة في الأواني والساعات الذهبية المصنوعة للرجال وعدمه.


(١) إعلام الموقعين ٢/١-٣
(٢) سنن البيهقي:٥/٤٧٧، ط: بيروت – دار الكتاب العلمية

<<  <  ج: ص:  >  >>