للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه العلة – الغررَ – التي ذكرها ابن تيمية وابن القيم للنهي عن بيع المعدوم علة مطردة، لا تحوجنا إلى استثناءات، أو مخالفة للقياس، والغرر في بيع المعدوم لا يتحقق إلا في حالة ما إذا كان المبيع مجهول الوجود؛ لأنه إن كان المبيع محقق العدم فلا غرر في هذا والبيع باطل بداهة؛ لاستحالة التنفيذ، وإن كان المبيع محقق الوجود، فلا غرر أيضا، والبيع صحيح، وإذا تتبعنا ما منعه الشارع من بيع المعدوم، وما أجازه منه، نجد أن كل ما منعه المبيع فيه مجهول الوجود في المستقبل، وأن كل ما أجازه المبيع فيه محقق الوجود عادة في المستقبل، وإن كان معدوما وقت العقد، وهذا ظاهر في بيع السلم، فقد منع الرسول الله صلى الله عليه وسلم في تمر حائط معين؛ لأن المسلم فيه مجهول الوجود في المستقبل، وأجاز السلم في ثمار البلد كله؛ لأن المسلم فيه محقق الوجود بحسب العادة.

فالقاعدة التي ينبغي السير عليها من بيع المعدوم هي:

(أن كل معدوم مجهول الوجود في المستقبل لا يجوز بيعه، وأن كل معدوم محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة يجوز بيعه) .

ثانيا – قياس السلم على بيع ما ليس عندك:

ورد النهي عن (بيع ما ليس عندك في حديث حكيم ابن حزام (١) ، وحديث عمرو بن شعيب (٢) ، وقد حمل الفقهاء هذا الحديث أكثر من معنى: فاستدل به بعضهم على عدم جواز بيع المعدوم (٣) ، واستدل به آخرون على عدم جواز بيع العين الغائبة (٤) ، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد به بيع شيء مباح على أن يستولي عليه فيملكه فيسلمه (٥) ، وقال بعضهم: المراد به بيع الأعيان، يقول الإمام الشافعي: والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع ما ليس عنده، وأذن في السلم استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه، وذلك بيع الأعيان (٦) ، وقال بعضهم: المراد به بيع الإنسان ما لا يملك سواء أكان معينا، أم في الذمة، يقول ابن عابدين: يشترط في البيع أن يكون المعقود عليه مملوكا للبائع فيما يبيعه لنفسه، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا له، وإن ملكه بعده، إلا السلم.. (٧) .


(١) انظر منتقى الأخبار مع نيل الأوطار ٥/١ ٦٤، ١٩٠
(٢) منتقى الأخبار مع نيل الأوطار ٥/ ١٦٤،١٩٠، وانظر أيضا كتاب الغرر وأثره في العقود ٨٠ و٣١٨
(٣) البحر الزخار ٣/ ١٩١، والزيلعي ٤/ ١٢
(٤) المجموع ٩/ ٣٠١
(٥) البدائع ٥/ ١٦٣
(٦) الأم ٣ /٨٣، وانظر أيضا المغني ٤ /٢٢٨
(٧) حاشية ابن عابدين ٤ /٧

<<  <  ج: ص:  >  >>