للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن القيم: (وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزم: ((لا تبع ما ليس عندك)) فيحمل على معنيين: أحدهما أن يبيع عينا معينة وهي ليست عنده، بل ملك للغير، فيبيعها على معنيين: أحدهما أن يبيع عينا معينة، وهي ليست عنده، بل ملك للغير فيبيعها، ثم يسعى في تحصيلها، وتسليمها إلى المشتري (١) ، الثاني أن يريد بيع ما لا يقدر على تسليمه، وإن كان في الذمة، وهذا أشبه، فليس عنده حسا ولا معنى، فيكون قد باعه شيئا لا يدري هل يحصل له أم لا، وهذا يتناول أمورا: أحدهما: بيع عين معينة ليست عنده، والثاني: السلم الحال في الذمة، إذا لم يكن عنده ما يوفيه، والثالث: السلم المؤجل، إذا لم يكن على ثقة من توفيته عادة) (٢) .

والراجح عندي أن عبارة (ما ليس عندك) تعني: (ما ليس مملوكا للبائع، سواء أكان معينا، أم في الذمة، إذا باعه على أن يسلمه في الحال) ، ولا يدخل فيها المعدوم، ولا المملوك الغائب، ولا الأشياء المباحة، وهذا هو ما تدل عليه قصة الحديث، فقد روي أن حكيم بن حزام كان يبيع الناس أشياء لا يملكها، ويأخذ الثمن منهم، ثم يدخل السوق فيشتري الأشياء ويسلمها لهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا تبع ما ليس عندك)) (٣) .

وعلة منع بيع الإنسان ما لا يملك هي الغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم وقت العقد، وما قد يترتب على ذلك من النزاع، فإن البائع قد لا يجد المبيع في السوق، والمشتري يطالبه به، ولا يرضى إمهاله؛ لأن العقد تم على أن يسلمه المبيع في الحال.

أما لو تمّ البيع على أن يكون المبيع دينا في ذمة البائع يسلمه للمشتري بعد مدة من الزمن، فإنه لا يدخل في بيع ما ليس عندك المنهي عنه، ويدخل في عقد السلم المسموح به، وهو السلم الذي يكون المسلم فيه مؤجلا إلى أجل معلوم يغلب وجوده فيه.


(١) هذا هو تفسير الشافعي
(٢) إعلام الموقعين ١/ ٣٥٠
(٣) انظر البدائع ٥ /١٤٧، ١٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>