للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا – قياس السلم على بيع الغرر:

وروى الثقات عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (١) ، وبيع الغرر هو البيع المستور العاقبة (٢) ، وعقد السلم عقد معلوم العاقبة، فقد اشترطت فيه شروط خاصة تباعد بينه وبين الغرر المفسد للعقد، كما رأينا في الكلام على قياس السلم على بيع المعدوم، وبيع ما ليس عندك، وكما سنرى في الكلام على الشروط، فالسلم ليس من بيع الغرر المنهي عنه حتى يقال: إنه مستثنى منه، أو جاء على خلاف القياس، وهو كما يقول ابن القيم: (على وفق القياس والمصلحة، وشرع على أكمل الوجوه وأعدلها ... ) (٣) .

٤- شروط صحة عقد السلم:

١-يشترط في السلم ما يشترط في البيع.

السلم – كما جاء في التعريف – نوع من البيع، ولهذا فإن جميع الشروط التي تشترط في البيع تشترط في السلم (٤) ، ولكن جمهور الفقهاء يستثنون من قاعدة: (يشترط في السلم ما يشترط في البيع) شرطَ وجود المحل عند العقد؛ وذلك لأنهم يرون أن بيع المعدوم منهي عنه، وقد تكلمنا عن هذه المسألة.

الشروط الخاصة بالسلم:

اشترط الفقهاء في عقد السلم شروطا خاصة، زيادة على الشروط التي يشترك فيها مع عقد المبيع، هي:

الشرط الأول: أن يكون المسلم فيه مؤجلا:

يشترط جمهور الفقهاء لصحة عقد السلم أن يكون المسلم فيه مؤجلا، على اختلاف بينهم في مدة الأجل، فالسلم الحال لا يجوز عندهم (٥) .

وقال الشافعية: يجوز السلم حالا، كما يجوز مؤجلا (٦) ، وممن قال بالجواز أبو ثور، وابن المنذر (٧) .

وحجة الجمهور في اشتراط الأجل:

١-حديث ابن عباس فإن قوله صلى الله عليه وسلم ((إلى أجل معلوم)) أمر منه بالأجل في السلم، وأمره يقتضي الوجوب، فيكون الأجل من جملة شروط صحة السلم، فلا يصح بدونه، كما لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن في المكيل والموزون (٨) .

٢-إذا لم يشترط الأجل في السلم كان من بيع ما ليس عند البائع المنهي عنه (٩) ، أو بيعا للمعدوم، وهو لم يرخص فيه إلا في السلم، ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل (١٠) .

٣- السلم جوز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق (١١) ، وذلك لأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لاسترخاص المسلم فيه، والمسلم إليه يرغب فيه لموضع النسيئة، وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى (١٢) .

وحجة الشافعية القياس الأولوي على السلم المؤجل، قال الشافعي: فإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان، والله تعالى أعلم، بيع الطعام بصفة حالا أجوز، لأنه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضمونا على صاحبه، فإذا ضمن مؤخرا ضمن معجلا، وكان معجلا أعجل منه مؤخرا، والأعجل أخرج من معنى الغرر، وهو مجامع له في أنه مضمون له على بائعه بصفة (١٣) .


(١) انظر أحاديث النهي عن بيع الغرر في كتاب الغرر وأثره في العقود ٥٨- ٦٠
(٢) المبسوط ١٣/ ١٩٤
(٣) إعلام الموقعين ١/ ٣٥٠
(٤) نيل الأوطار ٥/ ٢٣٩، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٣ /١٧٠. والمنهاج مع نهاية المحتاج ٤/ ١٧٦
(٥) ابن عابدين ٤/ ٢٨٦، ومختصر خليل مع حاشية الدسوقي ٣/ ١٧٩، وانظر بداية المجتهد ٢/ ٢١٣، فقد جاء فيه " وقد قيل: إنه يتخرج من بعض الروايات عن مالك جواز السلم الحال، والمغني ٤/ ٣٢١
(٦) المنهاج مع نهاية المحتاج ٤/ ١٨٥
(٧) المغني ٤/ ٣٢١
(٨) بداية المجتهد ٢ /٢٠٣ والمغني ٤/ ٣٢١
(٩) بداية المجتهد ٢/٢٠٣
(١٠) نيل الأوطار ٥/٢٤٠
(١١) المغني ٤/٣٢١
(١٢) بداية المجتهد ٢/٢٠٣
(١٣) الأم ٣/٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>