للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الرافعي: (في الأجل ضرب من الغرر؛ لأنه ربما يقدر في الحال، ويعجز عند حلول الأجل، فإذا جاز السلم مؤجلا فهو حالا أجوز، وعن الغرر أبعد) (١) .

ورأي الجمهور أولى بالقبول عندي، لقوة دليله، وضعف دليل الشافعية، فإن القياس الذي احتجوا به غير سليم، لأن قولهم: (في الأجل ضرب من الغرر) غير مسلم، لأن الأجل في السلم لا بد أن يكون معلوما باتفاق الفقهاء، فمن أين يأتيه الغرر؟ ولو سلمنا بأن في السلم المؤجل غررا، هو احتمال العجز عند حلول الأجل، كما يفهم من عباراتهم، فإنا لا نسلم بأن السلم الحال أبعد من الغرر بهذا المعنى، بل العكس هو الصحيح، لأنه في السلم المؤجل يكون عند المسلم إليه فرصة يستعد ويحضر فيها المسلم فيه، أما في السلم الحال، فإن المسلم إليه ملزم بالتسليم في الحال، وقد لا يجد المسلم فيه فيؤدي ذلك إلى النزاع بينه وبين المسلم، وهذا هو عين بيع الإنسان ما ليس عنده على المعنى الذي اخترته.

وإذا قالوا: إن السلم الحال الذي نعينه هو ما كان المسلم فيه موجودا عند المسلم إليه (٢) ، كأن يسلم شخص في قمح موجود في مخزنه، قلنا لهم: هذا بيع، وليس بسلم، لأنه لا ينطبق عليه اسم السلم، ولا معناه؛ لا ينطبق عليه اسم السلم، لأنه يسمى سلما وسلفا لتعجل أحد العوضين، وتأخر الآخر، ولا ينطبق عليه معناه، لأنه ملاحظ في مشروعيته، حاجة المسلم إليه إلى الثمن قبل حصوله على المسلم فيه، فإذا كان المسلم فيه موجودا عنده فقد انتفت الحاجة إلى السلم، لأن في البيع غنى عنه (٣) .

والخلاصة: أني أرى في اشتراط التأجيل تخفيفا للغرر على عكس ما يرى الشافعية، لأن الشأن في المسلم فيه ألا يكون عند المسلم إليه، فإذا جوزنا السلم الحال نكون قد جوزنا بيع ما ليس عند البائع في الصورة التي تؤدي إلى عدم القدرة على التسليم المؤدية إلى الغرر، ولهذا اشترطنا التأجيل ليقل الغرر.


(١) فتح العزيز ٩/٢٢٦
(٢) انظر نهاية المحتاج ٤/١٨٥
(٣) المغني ٤/٣٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>