للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبض بعض رأس المال وتأخير بعضه:

إذا قبض المسلم إليه بعض رأس مال السلم، ثم تفرقا، صح العقد في المقبوض، وبطل فيما لم يقبض عند الحنفية، والشافعية، وعلى الصحيح في مذهب الحنابلة، ويبطل في الجميع في رواية عن الإمام أحمد (١) ؛ وهو ما يقتضيه كلام الخرقي (٢) ، وهو مذهب المالكية (٣) ، قال العدوي لأنه ابتداء دين بدين (٤) .

جعل الدين رأس مال سلم:

إذا كان لرجل في ذمة آخر دين، فجعله سالما، لم يصح، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ من أهل العلم، منهم مالك، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحق، وأصحاب الرأي، والشافعي، وعن ابن عمر أنه قال: لا يصح ذلك، وذلك لأن المسلم فيه دين، فإذا جعل الثمن دينا، كان بيع دين بدين، ولا يصح ذلك بالإجماع (٥) .

ولو كان رأس مال السلم بعضه نقدا، وبعضه دينا على المسلم إليه، فالسلم في حصة الدين باطل، لفوات القبض، ويجوز في حصة النقد (٦) .

ويرى ابن تيمية وابن القيم جواز هذه المسألة التي حكى ابن المنذر الإجماع على منعها، على أصل مذهبهما في بيع الدين بالدين، ويقول ابن القيم في بيانه لأقسام بيع الدين بالدين:

(وأما بيع الواجب بالساقط، فكما لو أسلم في كر حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين، وسقط له عنه دين غيره، وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله شيخنا، واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه) (٧) .

ورأيي هو جواز بيع الدين مطلقا، أعني سواء بيع للمدين، أو لغيره، بنقد أو بدين، ما دام خاليا من الربا، أو شبهة الربا، وأن الصورة المجمع على منعها في بيع الدين بالدين، هي ما اشتملت على ربا أو شبهة الربا (٨) ، ومسألتنا هذه تدخل في بيع الدين بالدين لمن عليه الدين، ولا تخلو عندي من الربا، أو شبهته؛ لأن الإقدام على مثل هذا العقد يكون غالبا عندما يكون المدين غير قادر على أداء الدين في موعده، أو راغبا في تأجيله، فيعمد إلى جعل الدين رأس مال السلم، ويقبل الدائن؛ لأنه سيحصل في الغالب على أكثر من دينه، فيدخل هذا في (أخرني وأزيدك) ، لهذا فإني أرى منع هذه المعاملة، وبخاصة في تحويل القروض التي تمنحها المصارف الإسلامية إلى عقود سلم (٩) .


(١) فتح القدير ٥/٧٤٤؛ ونهاية المحتاج ٤/١٨٠؛ والمقنع ٢/٩٣
(٢) المغني ٤/٣٢٨
(٣) الدسوقي ٣/١٧٠
(٤) كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي ٣/٢٦٧
(٥) المغني ٤/٣٢٩؛ ونهاية المحتاج ٤/١٨٠؛ والزيلعي ٤/١٤٠
(٦) فتح القدير والعناية ٥/٣٤٤
(٧) نظرية العقد لابن تيمية ٢٣٥؛ وأعلام الموقعين ١/٢٤٠ – ٢٤١
(٨) انظر كتابي الغرر وأثره في العقود ٣١٠- ٣١٦
(٩) وانظر الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية ٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>