للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل مشروعية السلم أصلية أو استثناء؟

ذهب البعض إلى أن مشروعية السلم ليست أصلية، بل إن تعامل الناس والحاجة جعل الفقه الإسلامي يميز بيع السلم، فقد ذكر السنهوري ما خلاصته: هنا نجد الفقه الإسلامي – على الوجه الذي استقر عليه في عصور التقليد – يضيق بحاجات التعامل. فقد كان الأصل الذي قام عليه عدم جواز بيع المعدوم هو فكرة الغرر. (١) ولكن سرعان ما اختفى هذا الأثر، وأصبح انعدام الشيء في ذاته هو سبب البطلان ولو لم يكن هناك غرر أو كان هناك غرر يسير.

لذلك نجد إجماع من المذاهب على أن الشيء إذ لم يكن موجودا أصلا وقت التعاقد كان العقد باطلا، حتى لو كان وجوده محققا في المستقبل.

لقد سلم الفقهاء كما رأينا، أن الشيء إذا كان موجودا في أصله دون أن يوجد كاملا – كالزرع أو الثمر الذي لم يبد صلاحه وكالزرع الذي يوجد بعضه بعد بعض – فهذا الوجود الأصلي وإن لم يكن وجودا كاملا يكفي لجواز التعاقد. أما انعدام الشيء أصلا، فقد خلطوا بينه وبين الغرر، واعتبروا أن التعامل في شيء منعدم وقت التعاقد ينطوي في ذاته على غرر يفسد العقد، ولم يميزوا بين مصير الشيء المعدوم في المستقبل، هل هو محقق الوجود فتزول الخشية من الغرر وكان ينبغي أن يصح العقد، أو هو محتمل الوجود، وعند ذلك يدخل عنصر الغرر بقدر متفاوت فيعالج القدر الذي يقتضيه.

على أن تعامل الناس والحاجة أوجدا ثغرتين في هذا المبدأ الذي جمد عليه الفقهاء، فأجاز الفقه الإسلامي بيع المعدوم في السلم والاستصناع فنبسط المبدأ ثم نستعرض الاستثناءين. ثم استند السنهوري في رأيه هذا على أقوال بعض الفقهاء كقول صاحب البدائع في عدم جواز بيع المعدوم، ونقل عن (فتح القدير) / جزء ٥/ ١٠٢/: "لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر" وعن (الفتاوى الهندية) /٣/١٠٦/: "بيع الثمار قبل الظهور لا يصلح اتفاقا". وعن (بداية المجتهد) /٢/١٢٤/: (أما القسم الأول وهو بيع الثمار قبل أن تخلق فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك، لأنه من باب النهي عن بيع ما لم يخلق أو من باب بيع السنين والمعاومة وهي بيع الشجر أعواما، إلا ما روي عن عمر بن الخطاب وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين) . (٢) .


(١) الغرر هو عبارة عن التردد في حصول الشيء وعدمه كالطير في الهواء والسمكة في الماء وهو يختلف عن المجهول الذي معناه ما علم حصوله مع جهل صفته.
(٢) مصادر الحق في الفقه الإسلامي ٣/٣١ – ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>