للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: يرد على ما ذكره السنهوري عدة أمور:

١- إن ما ننسبه إلى الفقه الإسلامي يجب أن يكون مستخرجا من الأدلة الشرعية التي هي مصدر الفتاوى عند علماء الإسلام، فنسبة مشروعية السلم إلى الاستثناء (من عدم جواز بيع المعدوم) دعت إليه الضرورة كما صرح بذلك، استنادا إلى أقوال بعض الفقهاء غير صحيح.

٢- إن قاعدة (عدم جواز بيع المعدوم) ليس لها أصل في الشريعة (القرآن والسنة) ، نعم ورد النهي عن بيع الغرر، وهو كما يوجد في بيع بعض الأعيان المعدومة كبيع ما تحمل هذه الأمة أو هذه الشجرة يوجد في بيع بعض الأعيان الموجودة كما في بيع الحنطة جزافا وكبيع الآبق منفردا.

٣- لقد أجاز الشارع بيع المعدوم في بعض الموارد (كما سيأتي ذكر الروايات الدالة على ذلك) فكيف مع هذا ننسب إلى الفقه الإسلامي أن الأصل فيه عدم جواز بيع المعدوم؟!

٤-أجاز الشارع بيع السلم بروايات كثيرة وجعل له شروطا رفعه عن دائرة الغرر والجهالة وبيع المعدوم الغرري، فاشترط في المبيع أن يكون معلوم الجنس والنوع والصفة، وأن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الذرع وأن يكون مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف الذي لا يفضي إلى التنازع. كما اشترط في الثمن شروطا معينة كأن يكون مقبوضا في المجلس، كما اشترط في الأجل أن لا ترقى إليه الجهالة، وغير هذه الشروط المذكورة في الروايات التي صدرت في عصر التشريع الإسلامي الأول، ومع هذا كيف يقال: إنه أجيز للضرورة على خلاف الأصل؟!

روايات جواز بيع المعدوم (الخاص) :

لقد وردت روايات كثيرة تصحح بيع المعدم، وهي تكشف عن رؤية إسلامية لصحة بيع المعدوم إذا توافرت فيه شروط خاصة تخرج عن الجهالة والغرر (الخطر) المؤدي إلى المنازعة، وإليك بعضها:

١- صحيحة يعقوب بن شعيب قال: (سألت الإمام الصادق عليه السلام عن شراء النخل فقال: كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة، ولكن السنتين والثلاث كان يقول: إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى. قال يعقوب: وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن يطلع سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال عليه السلام: لا بأس، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين) (١) .

٢- صحيحة الحلبي قال: (سألت الإمام الصادق عليه السلام عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال عليه السلام: لا بأس، تقول: إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل، وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتريه حتى يبلغ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس. وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة في أرض. فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها، فقال عليه السلام: قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يذكرون ذلك، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم) (٢) .

فمن هذين النصين يتبين أن بيع ثمر النخل والفواكه سنين متعددة لا بأس به، وهذا هو بيع المعدوم حالا المحقق الوجود مآلا، ولا يوجد فيه غرر، أما بيع ثمرة النخل سنة واحدة فقد كان الأصل هو الجواز كما تقول الرواية، لكن لما انتهى في بعض الموارد إلى الخصومة (وهي موارد ما إذا هلكت الثمرة قبل القبض وعدم إرجاع الثمن إلى المشتري حسب القاعدة المستفادة من الرواية القائلة: (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) نهاهم عنه ولم يحرمه فيكون النهي استثناء.


(١) وسائل الشيعة/ج١٣ /باب (١) من بيع الثمار / ح٨
(٢) وسائل الشيعة/ ج١٣/باب (١) من بيع الثمار ح٢

<<  <  ج: ص:  >  >>