للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحث الأول: هل يجوز بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل؟

وقد ذكر بعض علماء الإسلام عدم الجواز، وكان دليله المدعى الإجماع المحكي إن لم يكن محصلا، فقد ذكر صاحب الجواهر الدليل فقال: (للإجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها، وعن كشف الرموز إن لم يكن محصلا) (١) . وقد صرح بأن المنع من بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل: ليس لأجل عدم ملكية البضاعة للمشتري؛ لأن العقد هو السبب في الملك، والأجل يكون لأجل المطالبة. كما أن المنع ليس لأجل عدم القدرة على التسليم إذ إن القدرة على التسليم في البيع الآجل تكون عند الأجل (٢) .

وقد ذكر في كتاب (الجواهر) فتوى نسبها إلى كتاب (الوسيلة) - لابن حمزة ظاهرا – تخالف هذا الإجماع وهي: (وإذا أراد أن يبيع المسلف ما أسلف فيه من المستسلف عند حلول الأجل أو قبله بجنس ما ابتاعه بأكثر مع الثمن الذي ابتاعه لم يجز، ومن باع بجنس غير ذلك جاز) فقد جوز بيع السلم على البائع بجنس آخر غير المسلم فيه، وذكر صاحب الجواهر أيضا مخالفة بعض متأخري المتأخرين استنادا إلى عمومات حل البيع ونحوها، لكنه تهجم عليهم بعد ذلك.

وقد ذكر عن الإمام مالك في المدونة الكبرى (٤/٨٨) الحديث عن السلم في غير الطعام فقال: (وما أسلفت فيه من العروض إلى أجل من الآجال فأردت أن تبيعه من صاحبه فلا بأس أن تبيعه منه بمثل الثمن الذي دفعته إليه أو أدنى منه قبل محل الأجل ... وإن أردت أن تبيعه من غير صاحبه، فلا بأس أن تبيعه منه بما شئت بمثل الثمن أو أكثر أو أقل، أو ذهب أو ورق أو عرض من العروض أو طعام إلا أن يكون من صنفه فلا خير فيه، ولا بأس أن تبيعه – وإن لم يحل الأجل – بما يجوز ... ) (٣) . وهذا النص جوز بيع بضاعة السلم غير الطعام على غير البائع قبل حلول الأجل بما لا يكون ربا محرم.

ولكن الشيخ صاحب (الجواهر) الذي ذكر فتوى (الوسيلة) ادعى تقدم الإجماع عليها وتأخره عنها، فبناء على حجية هذا الإجماع التعبدي الذي يكون بحساب الاحتمال كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فسوف تكون النتيجة – كما هي الحق – عدم جواز بيع بضاعة السلم قبل حلول أجلها، وأظن ظنا قويا بأن المراد من منع بيع البضاعة السلمية قبل القبض الصادر من مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دورته السابعة هو بيعها قبل حلول أجلها حيث إن المنع من بيع البضاعة السلمية قبل القبض مخصوص بالمكيل أو الموزون أو بالطعام كما سيأتي ذلك.


(١) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (للمحقق صاحب الجواهر) ٢٤/٣٢٠
(٢) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (للمحقق صاحب الجواهر) ٢٤/٣٢٠
(٣) نقلنا هذا النص من بحث الدكتور علي السالوس المقدم إلى الدورة الثامنة لمجمع الفقه الإسلامي تحت عنوان: تطبيقات شرعية لإقامة السوق الإسلامية/ص٦

<<  <  ج: ص:  >  >>