للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الزمخشري: في شرحه لهذه الآية الكريمة: (١) {لِهِمْ قُلُوبُ} أي لهم عقول يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي، والمعنى أن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها وإنما العمى في القلب استعارة، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين، وفضل تعريف، ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار..".

وقوله تعالى: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} زيادة في التوكيد على أن العمى ليس عمى الأبصار ولكنه عمى القلوب، وقد استعمل كلا اللفظين، "القلوب" "الصدور" استعارة للدلالة على الوعي والإدراك في النفس البشرية، وذكر البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتين: حب المال وطول الأمل)) .. وواضح أن كلمة القلب هنا معناها الحسن والإدراك.

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) في قلبه أي: في نفسه..

وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإن سألتم الله عز وجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل)) وواضح من الحديث أن القلب والقلوب هي الوعي والعقل والإدراك وليس القلب الذي يضخ الدم في الصدر.

وروى أبو داود عن أسامة بن زيد قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات فنذروا بها فهربوا فأدركنا رجلًا فلما غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتى قتلناه فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة)) فقلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا ... من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ومازال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ)) .


(١) الجزء ٣ ص ١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>