نقول: إذا انتهينا إلى هذه النتيجة وهي (اشتراط قبض المكيل أو الموزون قبل بيعه على غير بائعه، وعدم جواز بيع بضاعة السلم قبل حلول أجلها) . فيأتي هذان التساؤلان المتقدمان وللجواب عن ذلك نقول:
١- إن القبض مفهوم يختلف عن مفهوم التأكد من قدرة البائع في السلم على توفير السلع، إذ القبض مفهوم محسوس يتحقق في الخارج حسب نوع البضاعة التي يراد قبضها، أما المفهوم الثاني فهو مفهوم يقع في صقع النفس، قد لا يكون له تحقق في الوجود الخارجي، وإنما هو افتراض الوجود الخارجي عند المطالبة فبين المفهومين تباين وتضاد كالتباين بين الحقيقة والافتراض، وقد جعل الشارع القبض موضوعا لبعض الأحكام الشرعية (كتلف المبيع قبل قبض فهو من مال بائعه) بمعنى أنه يوجب انفساخ البيع بحيث يكون التلف على البائع ويرجع الثمن على المشتري، و (ككون القبض في الصرف في المجلس مصححا للمعاملة الصرفية) بمعنى التقابض قبل التفرق في مجلس العقد، وهذه الأحكام قد وردت في موضوع القبض بما هو مفهوم حقيقي خارجي، فلا يقوم مقامه التحقق من القدرة على التقابض فما نحن فيه أيضا كذلك.
٢-وكذا مفهوم التأمين على بضاعة السلم فهو مباين لمفهوم القبض، إذ التأمين على البضاعة السلمية يجعل المشتري مطمئنا بوصولها إلى يده أو وصول المبلغ الذي تدفعه شركة التأمين على فرض عدم وصوله إلى يده فهو شيء مفروض يؤول إلى التحقق، وهو شيء آخر غير القبض الذي يجعل المشتري متسلطا على بضاعته السلمية ويطبق عليها قانون:(الناس مسلطون على أموالهم) بحيث يتمكن من أن يبيع أو يهب أو يأكل العين التي قبضها أو يتلفها، فالقبض يحول ما في الذمة الذي هو دين إلى عين خارجي حيث إن الدين الذي في الذمة لا يتعين إلا بتعيين البائع أو قبض المشتري فيكون ما في الذمة تحول إلى عين خارجية يمكن تلفها وأكلها، وهذا بخلاف التأمين على البضاعة السلمية فهو وإن كان يمكن للمؤمن له على هبته أو بيعه، إلا أنه لا يتمكن من أكله وإتلافه فهو ليس مسلطا عليه كما في السلعة المقبوضة، ولهذا الفارق لا يرى العرف قيام التأمين على البضاعة السلمية مقام القبض.