للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والثاني) لابن حزم وتقي الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: وهو أن السلم عقد مشروع على وفق القياس، وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية (١) .

قال ابن تيمية: "وأما قولهم: "السلم على خلاف القياس" فقولهم هذا من جنس ما رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تبع ما ليس عندك)) (٢) . وأرخص في السلم. وهذا ما لم يرو في الحديث، وإنما هو من كلام بعض الفقهاء؛ وذلك لأنهم قالوا: السلم بيع الإنسان ما ليس عنده، فيكون مخالفا للقياس.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده: إما أن يراد به بيع عين معينة، فيكون قد باع مال الغير قبل أن يشتريه، وفيه نظر. وإما أن يراد به بيع ما لا يقدر على تسليمه، وإن كان في الذمة، وهذا أشبه. فيكون قد ضمن له شيئا لا يُدْرَى هل يحصُل أو لا يحصل؟ وهذا في السلم الحال إذا لم يكن عنده ما يوفيه، والمناسبة فيه ظاهرة.

فأما السلم المؤجل، فإنه دين من الديون، وهو كالابتياع بثمن مؤجل. فأي فرق بين كون أحد العوضين مؤجلا في الذمة، وكون العوض الآخر مؤجلا في الذمة، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:٢٨٢] . قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون في الذمة حلال في كتاب الله، وقرأ هذه الآية.

فإباحة هذا على وفق القياس لا على خلافه" (٣) .

وقال ابن القيم: (والصواب أنه على وفق القياس، فإنه بيع مضمون في الذمة موصوف مقدور على تسليمه غالبا، وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة، وقد تقدم أنه على وفق القياس.

وقياس السلم على بيع العين المعدومة التي لا يُدْرَى أيقدر على تحصيلها أم لا؟ والبائع والمشتري منها على غرر، من أفسد القياس صورة ومعنى، وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور له وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته مقدور في العادة على تسليمه. فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى، والربا والبيع) (٤) .

ولا يخفى ما في هذا الاحتجاج من نظر وجيه وتأويل حسن.


(١) جاء في المحلى: "فإن قيل: السلم بيع استثني من جملة بيع ما ليس عندك، قلنا: هذا باطل؛ لأنه دعوى بلا دليل ". (ابن حزم، المحلى، ٩/١٠٧ مط. المنيرية بمصر سنة ١٣٥٠هـ
(٢) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم. (ابن الملقن، تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، ٢/٢٠٦ ط. مكتبة حراء بمكة)
(٣) ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ٢٠/٥٢٩ ط. الرياض (بدون)
(٤) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ٢/١٩ ط. دار الجيل ببيروت (بدون)

<<  <  ج: ص:  >  >>