٨- لكل عقد من العقود أركان يقوم عليها، وشروط يتوقف ثبوت أحكامه على توفرها، ومن ذلك السلم، فله أركان لا ينشأ العقد بدونها، وشروط يتوقف وجوده الشرعي على تحققها، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن أركان السلم ثلاثة:
١- الصيغة (وهي الإيجاب والقبول) .
٢- والعاقدان (وهما المسلم، والمسلم إليه) .
٣- والمحل (وهو رأس المال، والمسلم فيه) .
وذكروا لكل ركن شرائطه التي لا بد منها لصحة العقد وترتيب أحكامه عليه.
وخالفهم في ذلك التقسيم الحنفية، إذ اعتبروا ركن السلم الصيغة المؤلفة من الإيجاب والقبول الدالين على التراضي، أي على اتفاق الإرادتين وتوافقهما على إنشاء هذا العقد. أما بقية الأركان التي ذكرها الجمهور، فقد اعتبرها الحنفية شرائط للركن – أي شروطا لازمة للصيغة – وليست أركانا.
ومنشأ الخلاف بينهما أن جمهور الفقهاء يرون أن كل ما يقوم به الشيء فهو ركنه، سواء أكان داخلا في الماهية أم خارجا عنها، والأمور الثلاثة – الصيغة والعاقدان والمحل – لا يتصور قيام العقد ولا ترتب أحكامه إلا بتوفرها، ولهذا كانت أركانا عندهم. بينما يرى الحنفية أن ركن الشيء ما يتوقف عليه وجود الشيء، بحيث يكون داخلا في ماهيته، بخلاف الشرط، فإنه مع توقف الوجود عليه، يكون خارجا عن الحقيقة والماهية. (١) ، ومن أجل ذلك اعتبروا الإيجاب والقبول ركن العقد فقط؛ لتوقف الوجود عليه مع دخوله في الماهية ... أما العاقدان والمحل فجعلوهما شرطين للركن، لا ركنين؛ لأنهما أمران خارجان عن الماهية، وإن كان العقد لا يصح بدونهما. وعلى ذلك فالخلاف لفظي، والحقيقة واحدة، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وقد آثرت السير على منهج الجمهور في هذا البحث، لأنه أكثر ملاءمة لغرض تنسيق مسائله، وترتيب جزئياته، وتنظيم عرض أفكاره، وربط فروعه بأصولها.
(١) انظر الشريف الجرجاني، التعريفات ص٥٩،٦٧ ط. الدار التونسية عام ١٩٧١م