للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١-وقد انتصر الإمام تقي الدين ابن تيمية لمذهب المعولين على القصد والمعنى دون اللفظ بحجة بليغة وبرهان ساطع فقال: "والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت، فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد. وهذا عام في جميع العقود، فإن الشارع لم يحد ألفاظ العقود حدا، بل ذكرها مطلقة. فكما تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية وغيرهما من الألسنة الأعجمية، فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية. ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه، وكذلك البيع وغيره" (١) .

١٦- بعد هذا تجدر الإشارة إلى أن جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة اشترطوا في صيغة السلم أن تكون باتة لا خيار فيها لأي من العاقدين، وذلك لأنه عقد لا يقبل خيار الشرط، إذ يشرط لصحته تمليك رأس المال وإقباضه للمسلم إليه قبل التفرق، ووجوب تحققهما مناف لخيار الشرط (٢) .

وخالفهم في ذلك المالكية، وقالوا بجواز خيار الشرط في السلم للعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي ثلاثة أيام فما دون ذلك، بشرط أن لا يتم نقد رأس المال في زمن الخيار، فإن نقد فسد العقد مع شرط الخيار، لتردد رأس المال بين السلفية والثمنية (٣) . وهذا هو الرأي المعتمد في مذهبهم، وهو مبني على جواز تأخير قبض رأس مال السلم ثلاثة أيام فما دونها، لأن هذا التأخير اليسير في حكم التعجيل، فيكون معفوا عنه ومتسامحا فيه، إذ القاعدة الفقهية تنص على "أن ما قارب الشيء يعطي حكمه" (٤) .


(١) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق ٢٠/ ٥٣٣؛ وانظر ابن القيم، وإعلام الموقعين، مرجع سابق ٢/٢٣
(٢) الشافعي، الأم، ٣/١٣٣ ط: دار المعرفة ببيروت سنة ١٣٩٣هـ؛ الكاساني، بدائع الصنائع، مرجع سابق ٥/ ٢٠١؛ البهوتي، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق ٢/١٦٩
(٣) الخرشي، شرح مختصر خليل، ومعه حاشية العدوي عليه، ٥/ ٢٠٣ ط. بولاق سنة ١٣١٨هـ ٥/ ٢٠٣؛ عليش، منح الجليل، مرجع سابق ٣/٥؛ الزرقاني، شرح خليل، ٥/٢٠٥ مط. محمد مصطفى بمصر سنة ١٣٠٧هـ.
(٤) الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ١٧٣ ط. الرباط سنة ١٤٠٠هـ؛ الخرشي، مرجع سابق ٥/٢٠٢؛ وانظر الزركشي، المنثور في القواعد، ٣/١٤٤ ط. الكويت سنة ١٤٠٢هـ؛ أحمد الجكني الشنقيطي، إعداد المهج للاستفادة من المنهج، ص٤٣ ط. قطر سنة ١٤٠٣هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>