في ضوء ما انتهينا إليه من أن طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك وصاحب الحساب الجاري هي علاقة المقرض بالمقترض، فإن هناك بعض المسائل الشرعية التي تحتاج إلى نظر منها:
أ- هل البنك فقير حتى نقرضه؟
معلوم أن القرض في الإسلام هو لغرض الإرفاق والقربة، يقدمه الغني إلى الفقير المحتاج. والمسألة التي نحن بصددها هي قرض يقدمه الفرد، الذي ربما يكون ثريا ذا يسار أو فقرا قليل المال، إلى المصرف. فهل البنك فقير نقرضه لغرض الإرفاق به؟ الجواب بالنفي القطعي. فهل يعني ذلك أنه قد خرج من تعريف القرض وصار إلى علاقة مختلفة لأن البنك دائما أغنى من المودعين فيه. يرد على ذلك بأن القرض لا يلزم أن يكون من غني إلى فقير. انظر ما رواه البخاري في دين الزبير بن العوام رضي الله عنه. قال:(إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكنه سلف فإني أخشى الضيعة)(١) فهذه قروض إلى غني وهو الزبير رضي الله عنه. لم يخرجها من تعريف القرض وسريان أحكامه، أنها جاءت من فقير إلى غني أو من غني إلى من هو أغنى منه. وكذلك الحال في ودائع المصرف الجارية فإنها قروض ولا حاجة للسؤال هل المصرف فقير حتى نقرضه.
ب- الحسابات الجارية تعاون الإثم والعدوان:
يقول المولي عز وجل في كتابه الحكيم:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:٢]
لما كان الربا من الكبائر، ولما علم أن الفوائد المصرفية التي هي أساس عمل البنوك هي من الربا المحرم، وأن البنوك إنما توجه الأموال المتجمعة لديها في الحسابات الجارية إلى التمويل بالإقراض المتضمن للفوائد الربوية، دل ذلك على أن كل حساب مصرفي جار إنما يؤدي إلى زيادة في نشاط المصرف المذكور وتوسع في قدرته على الإقراض بالربا.
والقاعدة أن ما أدى إلى حرام فهو حرام والأمور بمآلاتها، ولذلك فقد رأى البعض أن هذه الحسابات في البنوك الربوية، على رغم أنها بذاتها لا تتضمن التعامل بالفائدة، إلا أن فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو عدم جواز التعاون علي الإثم والعدوان، لا سيما في الحالات التي يتوفر على المجتمع فيها بنوك أخرى ومؤسسات مصرفية تنهض بنفس الوظائف والأغراض دون التعامل بالفائدة كالبنوك الإسلامية.
(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وولاة الأمر