ج- الحسابات الجارية من أنواع القروض التي تجر نفعا:
القاعدة أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. والمقصود هنا النفع الذي يجره القرض للدائن، أما المدين فإنه إنما اقترض لينتفع بالقرض. ولابد لإعمال القاعدة أن يكون هذا النفع مشروطا، قال ابن المنذر:(أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) . والقاعدة (أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا) والمدين هو البنك، والدائن في الحسابات المصرفية هو العميل المودع للنقود في حساباته لدى البنك وهو يتلقى أنواعا متعددة من الخدمات، بل وتتسابق البنوك في تقديم الخدمات الخاصة لأصحاب هذه الحسابات. وقد أشرنا أعلاه إلى طرف منها مثل تخفيض أسعار الخدمات الأخرى أو إعفائه من تكاليفها ... الخ، وأهم تلك جميعا هو بلا ريب دفتر الشيكات. فهل يعني هذا أن الحساب الجاري على رغم أنه لا يتضمن الفائدة إلا أن فيه شبهة الربا من هذا الجانب لأنه قرض جر نفعا واضحا معروفا للمقرض؟ يرد على ذلك أن القروض التي أشرنا إليها أعلاه عند الحديث عن الزبير بن العوام رضي الله عنه إنما كان الباعث عليها انتفاع الدائن (المقرض) بحفظ أمواله من الضياع والسرقة بدليل ما جاء في الأثر، ولذلك فإن الزبير لعلمه بغرضهم فقد كان رضي الله عنه يقول:(بل هي سلف إني أخاف الضيعة) ولم يقل أحد إنها من الربا. ثم ما أجازت الشريعة من طرق حفظ مال اليتيم عندما يسافر وليه هل يؤدى إلى مؤتمن؟ قال الفقهاء: الأولى أن يقرضها لمليء. وجلي أن اشتراطهم الملاءة دليل على أن الغرض ليس الإرفاق بل انتفاع المقرض بحفظ مال اليتيم فهو قرض جر نفعا. وما ذكره العلماء عن السفتجة، معروف ومعلوم يلخصه كلام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (١/٣٩١) : ( ... وإن كان المقرض قد ينتفع أيضا بالقرض كما في مسألة السفتجة ولهذا كرهها من كرهها، والصحيح أنها لا تكره لأن المنفعة لا تخص المقرض بل ينتفعان بها جميعا) . وتلك قاعدة ذهبية ليس أدل على ملاءمتها لما نحن بصدده من حقيقة أن بعض البنوك تفرض الرسوم على الحسابات الجارية وهي قروض، فكأن الدائن يقرض المدين ويزيده، وذلك لأن المنفعة كما في حال السفتجة مشترك بينهما.