للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: خلط الوديعة.

والثاني: استعمال الوديعة.

والثالث: أخذ الأجرة عليها.

الأول: خلط الوديعة.

الأصل أن تكون الوديعة معزولة عن مال المستودع. محفوظة أمانة بذاتها لصاحبها.

إلا أنه قد يقع الخلط. فإذا كان الخلط بفعل المودع أو بإذنه، أو كان الخلط دون تفريط من المستودع، أو كان منه وتيسير التمييز فلا ضمان إذ لا ضرر ولا نقص يلحق صاحب المال.

أما إذا كان بتفريط من المستودع أو كان خلطا يتعذر معه التمييز كخلط الشيء بجنسه فإنه يضمن الضرر الذي قد ينجم من الخلط. (١)

الثاني: استعمال الوديعة

إذا تعدى المستودع فاستعمل الوديعة ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة فإن الحنفية ذهبوا إلى أنه لا يضمنها لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي.

وذهب الجمهور إلى قيام الضمان لأنه تعدى بالاستعمال فبطل الاستئمان. (٢)

وإذا تعدى على الوديعة فتاجر بها وربح فقد اختلف الفقهاء فيه. فذهب الجمهور إلى أنه إذا رد المال طاب له الربح. وذهب بعضهم إلى أنه يرد المال وديعة ويتصدق بالربح.

وقال بعضهم: لرب الوديعة الأصل والربح. ويلاحظ أن من اعتبر التصرف قال: الربح للمتصرف. ومن اعتبر الأصل قال: الربح لصاحب المال. (٣)

الثالث: أخذ الأجرة على حفظ الوديعة

وقد اختلف الفقهاء فيها:

ومنهم من أجاز أخذ الأجرة على حفظ الوديعة وعلى حرزها (٤) . ومنهم من منع أخذ الأجرة على الحفظ والحرز. (٥)

ومنهم من فصل فجوز الأخذ على الحرز لا على الحفظ. (٦)

والراجح من هذه المذاهب، مذهب من أجاز الأخذ تحقيقا للمصلحة، لأن القول بعدم الجواز يؤدي إلى صرف الناس عن قبول الوديعة، فتتعطل المصالح التي شرعت من أجلها وجازت الوديعة.

٣- تقسيم الودائع المصرفية

تتنوع الودائع المصرفية بحسب طبيعة إيداعها وتاريخ استردادها إلى ثلاثة أنواع:

الأول: ودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) تكييفها الشرعي وضمانها.

ويقصد بها الحسابات التي يقوم أصحابها بفتحها في البنك لإيداع أموالهم بغرض حفظها والتعامل اليومي بها بقصد أن تكون حاضرة للتداول والسحب عليها عند الحاجة لها وبمجرد الطلب، ودون توقف على أخطار سابق.

ويكيف هذا الحساب بأنه يأخذ حكم الوديعة في الشريعة الإسلامية في الرأي الراجح لأن البنك ملتزم بردها كاملة إلى أصحابها عند الطلب ولا يعكر على هذا الرأي أن البنك يستخدم هذه الوديعة، وهذا يعتبر خيانة لها إذا اعتبرت وديعة حقيقية، وأن المخرج من هذا أن تعتبر قرضا.

ذلك أن بعض فقهائنا يعدون التصرف بالوديعة لا يرقى إلى مرتبة الحرمة إذا كان الوديع مليئا. وعلل الدردير عدم حرمة تصرف المودع لديه بالوديعة المثلية كالنقود ونحوه بقوله: (ولم يحرم لأن المليء غير المماطل مظنة الوفاء مع كون مثل المثل كعينه التصرف الواقع فيه كلا تصرف. إلى أن قال: والربح الحاصل من التجارة للمودع – بالفتح - فإن كان الوديعة نقدا - أو مثليا فلربها المثل) (٧)

وإن تهمة خيانة الأمانة مندفعة بأن المودع رضي باستخدامها، ومن جهة أنه يعلم أن المصرف سوف يتصرف بهذه الأموال وفق العرف المصرفي. (٨)

وهذا التكييف يساعد على تيسير إخضاع بعض المعاملات المصرفية لأحكام الشريعة الإسلامية كما في حالة استعمال الوديعة أداة لوفاء دين.

وكذلك حالة ما لو استعملت وسيلة للدفع فلو اشترى صاحب الحساب بضاعة بما يملكه من ذلك الحساب فإذا اعتبرنا هذا الحساب قرضا فإن هذا العقد يكون صحيحا في حالة استلام البضاعة مباشرة بخلاف ما لو كانت البضاعة مؤجلة فإنه يكون عقدا باطلا شرعا لأنه من باب بيع دين بدين.

وهذا لا يرد مع اعتبار الحساب وديعة حقيقية. إضافة إلى إسهام هذا التكييف في المحافظة على حقوق صاحب الوديعة وإبعاده عن التعرض لمخاطر لم تتجه لها إرادته عند إبرام العقد.


(١) انظر المبسوط للسرخسي ١٣/١١٠؛ والمغني:٦/٣٨٤؛ والخرشي: ٦/١٢٦.
(٢) انظر المغني: ٦/٤٠١؛ والخرشي على خليل: ٦/١٢٧.
(٣) انظر البداية لابن رشد: ٢/٣١٢؛ والخرشي على خليل: ٦/١٣٣.
(٤) انظر حاشية البجيرمي: ٣/٢٤٩؛ وقليوبي وعميرة ٣/١٨١
(٥) انظر كشاف القناع: ٤/١٦٦؛ والبحر الزخار: ٤/١٦٧.
(٦) انظر الخرشي على خليل: ٦/١١.
(٧) الدردير على خليل:٣/٤٢١
(٨) المصارف بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الرازق الهيتي:٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>