للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- قال أحمد رحمه الله تعالى في المشهور عنه: ليس له الأخذ من ذلك المال، بل يرده، ثم يطالبه بدينه، وهو رواية عن مالك رحمه الله.

٣- وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز له الأخذ إن كان ما وجده من جنس حقه، مثل أن تكون له على المدين دراهم، فوجد دراهم مملوكة له. يجوز له أخذها بقدر حقه، ولا يجوز له إن كان من غير جنسه، مثل أن تكون له على المدين دراهم، فوجد دنانير، لا يجوز له الأخذ.

هذا أصل مذهب الحنفية، لكن المتأخرون من فقهاء الحنفية أفتوا في هذه المسألة بقول الشافعي، رحمه الله، فأجازوا للظافر أن يستوفي حقه مما ظفر به من مال المدين مطلقا، سواء كان المال الذي ظفر به من جنس حقه، أو لم يكن.

يقول ابن عابدين ناقلا عن شرح القدوري للأخصب:

(إن عدم جواز الأخذ من خلاف الجنس كان في زمانهم، لمطاوعتهم في الحقوق. والفتوى اليوم على جواز الأخذ عند القدرة من أي مال كان، لا سيما في ديارنا، لمداومتهم العقوق) . (١)

وقد وردت عن المالكية في ذلك روايات ثلاثة، كالمذاهب الثلاثة المتقدمة. والمشهور من مذهبهم أنه إن لم يكن للمدين دائن آخر، سوى الظافر، فله أن يأخذ بقدر حقه، وإن كان له دائن آخر لم يجز؛ لأنهما يتحاصان في ماله إذا أفلس.

وقد استدل المجوزون للأخذ, وهم الجمهور, بحديث هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما أنها قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح, لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني, إلا ما أخذت من ماله بغير علمه, فهل على في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) (٢)

وعلى أساس هذا الحديث, الراجح من مذهب الشافعية والحنفية, يجوز للبنك أن يستوفي حقه, كله أو بعضه, من الأموال المودعة عنده في الحساب الجاري المدين.

ومن المناسب, رفعًا للخلاف الفقهي المذكور, أي يضيف في اتفاقيته مع عملائه بندًا يصرح بأنه يحق للبنك, إذا قصر العميل في أداء ما يجب عليه في موعده, أن يستوفي حقه من حسابه المودع لدى البنك. وإذا وقع العميل على هذا البند من الاتفاقية, فإنه يرضى بمقاصة ما يجب عليه من حسابه الجاري أو من حساب الاستثمار , وحينئذ, تخرج المسألة من مسألة الظفر, وتجري عليها أحكام المقاصة بالتراضي, ويجوز ذلك عند جميع الفقهاء بدون أي خلاف.


(١) رد المحتار، لابن عابدين ٥/١٠٥، كتاب الحجر، وقد ذكر مثل ذلك في كتاب الحدود ٣/٢١٩ و٢٢٠؛ وفي الحظر والإباحة ٥/٣٠٠.
(٢) الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه, منها كتاب البيوع, باب من أجرى الأنصار على ما يتعارفون بينهم, رقم ٢٢١١, وفي المظالم, باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه, رقم ٢٤٦٠, وفي النفقات, رقم ٥٣٥٩ و٥٣٦٤ وغيرها, واللفظ المذكور لمسلم في صحيحه, كتاب الأقضية, باب قضية هند. وقد بسطت الكلام على مذاهب الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة في كتابي (تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم) ٢/٥٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>